فوائد من أحاديث الدجال

فوائد من أحاديث الدجال

 

فوائد من أحاديث الدجال

” سلمان بن يحي المالكي “

 

        ظهور الدجال أحد أشراط الساعة الكبرى، وأعظم الفتن منذ خلق الله آدم ـ عليه السلام ـ إلى قيام الساعة ، قـد حــذر الـنـبي صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من ثلاثين موضعاً؛ مبيناً خطره تارة، ومـحـذراً مـنه حيناً، وذاكراً طرق السلامة منه تارة أخرى،وحديثنا هذه الليلة عن بعض الفوائد الواردة في أحاديث الدجال المنتقاة من فعل وقول الهادي البشير صلى الله عليه وسلم . وقبل الشروع في ذكرها لعلنا نقف على الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن الكريم، ولـعـل أحـسـن مـا قيل في ذلك ما ساقه الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في فتح الباري (13/98) حيث قال: “وأجيب بأجوبة :

 أحـدهـا: أنـه ذُكـر فـي قـولـه :{ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الأنعام:158، فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هــريــرة ـ رضي الله عنه ـ رفعه ” ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها“.

الثاني : قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى عليه السلام في قوله ـ تعالى: { وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} النساء: 159، وفي قوله ـ تعالى (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) الزخرف: 61، وصح عنه أنه الذي يقتل الدجال، فاكتفى بذكر أحد الضدين عـن الآخــــر، ولكونه يلقب: (المسيح) كعيسى عليه السلام؛ لكن الدجال مسيح الضلالة، وعيسى عليه السلام مسيح الهدى.

الثالث : أنه تـرك ذكـره احتقاراً.

فوائد في التعامل مع الفتن :

1 ـ الـتـزود بالطاعات والإكثار من الأعمال الصالحة حصن حصين من الفتن وزاد قوي في التصدي لها عند حلولها. عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال ستاً(اجتهدوا في الأعمال وسابقوا إليها) طـلــوع الـشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم (الموت كما في شرح مسلم للنووي) أو أمر العامة (القيامة كما في شرح مسلم للنووي)”( رواه مسلم ح 2947). فأوصى صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في الأعمال الصالحة؛ بل والمسابقة إليها قبل حلول وقت الفـتـن . وذكر ابن حجر ـ رحمه الله ـ في الفتح 13/98) ما أخرجه الحاكم من طريق قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد رفعه أنه “يخرج ـ يعني الدجال ـ في نقص من الدنيا وخفة من الدين وسوء ذات البين فيرد كل منهل، وتطوى له الأرض“. فانظر ـ رعاك الله ـ إلى ضعف الدين وقلته في وقت خروجه.

 2 ـ الحث على الائتلاف بين المسلمين وترك الخلاف والنزاع والفرقة ، وأن الفتنة أعظم في وقت الخلاف منها في وقت الائتلاف . ويـشـهد لهذه الفائدة الحديث السابق الذي رواه الحاكم، وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق: “إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قِبَلِ المشرق في زمان اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض أربعين يوماً..“( رواه ابن حبان بإسناد صحيح، ح (موارد الظمآن 1904).

 3 ـ الحذر والتحذير من الفتن قبل وقوعها . وهذا ظاهر في كل الأحاديث التي تحدثت عن الدجال، بل إن الأنبياء كل الأنبياء حذروا أممهم منه كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ؛ حيث قال “ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب…“( رواه البخاري ح 31/7 ورواه مسلم ح 2933) .

 4 ـ عدم الانخداع بالمظاهر خصوصاً وقت الفـتن، بل وتحذير الناس من ذلك . ونلحظ ذلك في المظاهر الخادعة التي تصاحب الدجال، ومن ذلك : أن معه جنة وناراً، وأنه يأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت(ستأتي أحاديث تدل على شيء من مظاهره الخادعة للعيان) ـ لكن كل هذا ـ بإذن الله تعالى ـ، ولو تمعن المتمعن لما انخدع.

 5 ـ ضرورة الابتعاد عن مواضع الشبهات والفتن، وألا يعتقد المرء أنه على قدرة في مواجهة الشبهات والفتن، وخصوصاً مع قلة العلم والدين . عن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من سمع بالدجال فَلْينأَ عنه( أي يبتعد ) فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتـبـعه مما يبعث من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات“( رواه أحمد 4/431).

 6 ـ لا يكفي تحذير الناس من الفتن ؛ بل الواجب توضيح السبل للخلاص منها . وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من السبل للخلاص من الدجال؛ ومنها:

أ ـ قراءة فواتح سورة الكهف: قال صلى الله عليه وسلم: “… فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف“( رواه مسلم ح 832) .

ب ـ قال صلى الله عليه وسلم ” لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه ناراً وليغمض، ثم ليطأطئ رأســـه فـيشرب منه؛ فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين عليه ظفرة غليظة، مكتوب بين عـيـنـيه: (كافر) يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب“( رواه مسلم ح 2934).

ج ـ التعوذ منه : ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة “وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال“( صحيح البخاري، ح 832).

7 ـ الفتنة ليست شراً محضاً، نقل الإمام النووي ـ رحمه الله ـ عن العلماء أنهم قالوا “هذا من جملة فتنته التي امتحن الله ـ تعالى ـ به عباده ليحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه”( شرح مسلم ص 7188).

8 ـ الحق لا بد أن ينتصر وتُنهى الفتن ويظهر الحق، وهذه أعظم فتنة تمر على البشرية ثم تنتهي، وينزل عيسى عليه السلام ليهلك الدجال، كما ثبت في صحيح مسلم “… يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين… فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه..”( صحيح مسلم ح 2940).

9 ـ أهمية العلم الشرعي في مواجهة الفتن، فالمؤمن الذي يكشف زيف الدجال وكذبه مسلم متمسك بالعلم الشرعي المبني على الدليل الشرعي؛ لذا تجده يخاطب الدجال بلهجة الواثق كما في صحيح البخاري“… فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه…“( صحيح البخاري ح 7132) . فهو نَسَبَ عِلْمَهُ بالدجال لعلمه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم العلم الشرعي.

 10 ـ ويتبع القاعدة الماضية سؤال أهل العلم عما أشكل وخصوصاً وقت الفتن . ومن ذلك ما تكرر من أسئلة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ عن هذه الفتنة. فقد جاء في الحديث الذي ( رواه مسلم ح 2137) “… قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: “أربعون يوماً: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم“. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال “لا. اقدروا له قدره”. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض…” الحديث. ومن هذا الحديث أيضاً نرى حرص الصحابة على الصلاة وإقامتها في وقتها.

11 ـ الكثرة ليست دائماً دليلاً على الحق، والدجال باعتباره فتنةً عظيمة سيتبعه أناس كثيرون؛ فهل نقول إنه على الحق ؟ لا، بالطبع؛ فعلى المسلم أن يلزم الحق ولو كان وحده وقد ثـبـت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يتبع الدجال من يـهــود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة“( رواه مسلم ح 2944). قال ابن حجر في الفتح (13/98) وأخرج أبو نعيم في ترجمة حسان بن عطية أحد ثقات التابعين في الحلية بسند حسن صحيح إليه قال: “لا ينجو من فتنة الـدجــال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة “وهذا لا يقال من قِبَلِ الرأي؛ فيـحـتـمل أن يكون مرفوعاً أرسله، ويحتمل أن يكون من بعض أهل الكتاب.

 فوائد وقواعد في الدعوة:

 1 ـ التأكيد على أمور العقيدة من أهم المهمات:

 وهذا يتضح من أحاديث الدجال في التركيز على عدة مهمات عقدية منها:

 أ ـ غرس توحيد الأسماء والصفات: عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور“( رواه البخاري ح 7131).

ب ـ إثبات رؤية الله ـ تعالى ـ في الآخرة وعدم رؤيته في الدنيا: روى الإمام أحمد بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس وهو يحذرهم فتنة الدجال: “تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه ـ عز وجل ـ حتى يموت“( المسند 5/433).

 ج ـ حسن الظن بالله ـ جل جلاله : روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة أنه قال: ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته وإنه قال لي: “ما يضرك منه؟” قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبلَ خبزٍ ونهر ماء. قال: “بل هو أهون على الله من ذلك“( البخاري ح 7122). قال النووي ـ رحمه الله ـ: قال القاضي عياض ـ رحمه الله ـ: المعنى: وهو أهـون على الله مــن أن يجعــل ما خلقه الله ـ تعالى ـ على يده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم؛ بل إنه جعله له ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويثبت الحجة على الكافرين والمنافقين ونحوهم، وليس معناه أنه ليس معه شيء من ذلك(شرح مسلم 5/795).

 د ـ عظم التوكل على الله والالتجاء إليه :

قـال صلى الله عليه وسلم: “إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حُبُكٌ حُبُكٌ حُبُكٌ(متكسر من الجعودة) ثلاث مرات، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لستَ ربنا؛ لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك لم يكن له عليه سلطان“( رواه أحمد 22648).

 2 ـ أن يعطي كل أمر حقه من العناية :

فينبغي أن يُحذَّر من الأمر الخطير بطريقة تختلف عن الأمر الأخف خطورة، وينبغي الأمر بالواجبات والفرائض بطريقة تختلف عن الحث على المسنونات والمستحبات، وللأسف فإن بعض الناس ـ هـداهـم الله ـ يجعل المكروه محرماً أثناء النهي، أو يجعل الصغيرة كـبـيـرة، بل يتعدى بعضهم ذلك وذاك إلى أن يجعل أحد خوارم المروءة من المحرمات. وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف يحذر من الدجال بطرق وأساليب مختلفة متنوعة، ولماذا؟ لأن الدجال فتنة عظـيمة! أي عظيمة! فهو يدَّعِي الربوبية، بل يظهر له من الفتن الشيء العظيم، ومن ذلك ما أخرجه ابن ماجه عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قــال: “وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم! فيمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه يقولان له: يا بني اتبعه؛ فإنه ربك. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، ويمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر والأرض أن تنبت، فتمطر حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظم، وأمده خواصر، وأدره ضروعاً”( رواه ابن ماجه ح 4075).

 3 ـ لا بد من التوضيح والبيان وقت الحاجة : لذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الدجال وصفاً دقيقاً في أكثر من حديث بينت صفته وأفعاله وكـذبه، وما يحتاجه المسلم لمواجهته، ومن أشملها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنذرتكم فتنة الدجال؛ فليس نبي إلا أنذر قومه أو أمته، وإنه آدَمُ، جعدٌ، أعور عينه اليسرى، وإنه يمطر ولا ينبت الشجرة، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها ولا يُسلط على غيرها وإنه معه جنة ونار ونهر وماء وجبل خبز، وإن جنته نار وناره جنة، وإنه يلبث فيكم أربعين صباحاً يرد فيها كل منهل إلا أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى، وإن شكل عليكم أو شُبِّه، فإن الله ـ عز وجل ـ ليس بأعور“( مسند الإمام أحمد 5/434).

 4 ـ الصبر والثبات على الحق؛ لا سيما مع ظهور الفتنة : وانظر إلى ذاك الرجل المؤمن الثابت الذي ما زاده فرقُه له فرقتين إلا بصيرة به وتكذيباً. ففي صحيح مسلم: “فيقول: أنت المسيح الكذاب، قال: فيؤمر به فيؤشر بالمئشار(المنشار ) من مـفـرقــه حـتـى يـفـرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم فيستوي قائماً. قال: ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة“(صحيح مسلم ح 7243). قال النووي ـ رحمه الله ـ نــقــلاً عن القاضي عياض: “فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره”( شرح مسلم ، ص 7187).

 5 ـ الاهتمام بالنساء في الدعوة، والتأكيد على تعليمهن العلم الشرعي :

 والمرأة إذا لم تُرشد للخير فقد تنساق مع الشر، ومع قلة الدين في زمن ظهور الدجال تجد أن أكثر أتباعه النساء اللاتي يغتررن بالمظاهر والفتن والشبهات. أخرج الإمام أحـمــد عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فـيـكـــــون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه“( مسند الإمام أحمد 2/67).

 6 ـ الارتباط بالقرآن الكريم قراءة وحفظاً وحث الناس على ذلك : عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال“، وفي رواية: “من قرأ” الحديث (رواه مسلم ح 809) .

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .