الصلاة في المسجد الذي قبلته جهة مقبرة

الصلاة في المسجد الذي قبلته جهة مقبرة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. أما بعد: سنتكلم في هذا الدرس – إن شاء الله – عن الصلاة في مسجد قبلته مقبرة، أو في قبلته قبور.

فنقول: ينبغي أن تبعد المقابر أو القبور عن المساجد، وأن تكون المساجد منفصلة عن المقابر سداً لذريعة الشرك، وحذراً من اللعنة. قال الشيخ ابن باز – رحمه الله -: “… فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالاً لأمر الرسول ، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا – عز وجل – لمن بنى المساجد على القبور”1

وأما عن صحة الصلاة في المسجد الذي بجواره قبر، وهذا القبر ينفصل عن المسجد بجدار ونحوه، فيكون القبر خارج المسجد؛ فهي جائزة، ولا نعلم لمن حرمها دليلاً إلا سد الذريعة، خصوصاً إذا كان القبر عن يمين أو يسار أو خلف المسجد؛ ولم يكن في القبلة، فلا بأس بالصلاة فيه لانتفاء شبهة استقبال القبر، لأن النبي  نهى عن الصلاة إلى القبور كما قال  : لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها2 وقال  : لا تصلّوا إلى قبر، ولا تصلوا على قبر 3 وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في الأم: “وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وأن يسوى، أو يصلى عليه، وهو غير مسوى، أو يصلى إليه”4، وكانوا يريدون بالكراهة التحريم.

وقال ابن باز – رحمه الله -: “إذا كان في قبلة المسجد شيء من القبور فالأحوط أن يكون بين المسجد وبين المقبرة جدار آخر غير جدار المسجد، أو طريق يفصل بينهما، هذا هو الأحوط والأولى؛ ليكون ذلك أبعد عن استقبالهم للقبور، أما إن كانت عن يمين المسجد، أو عن شماله، أي عن يمين المصلين، أو عن شمالهم؛ فلا يضرهم شيئاً؛ لأنهم لا يستقبلونها، لأن هذا أبعد عن استقبالها، وعن شبهة الاستقبال”5.

وسئل الشيخ أيضاً – رحمه الله – عن حكم الصلاة في مسجد بجواره قبر. ونص السؤال: “يوجد لدينا مسجد تقام الصلاة فيه جماعة وجمعة؛ ولكن يوجد قبور حول المسجد في مقدمته، ومؤخرته، والفرق بين المسجد والقبور نحو ستة أمتار فقط، علماً أن المسجد بُني قبل وضع القبور، فهل تصح الصلاة في هذا المسجد؟

فأجاب قائلاً: “نعم، تصح الصلاة فيه ولو كان حوله قبور، إذا كان المسجد قائماً، ووُضعت حوله القبور عن يمينه، أو شماله، أو أمامه، أو خلفه؛ هذا لا يضر، وقد كان الناس فيما مضى يدفنون حول البلاد من الخوف والفتن والحروب، كانوا يدفنون حول مساجدهم، يخرج المسجد، ويدفن حول المسجد، أما الآن فقد وسع الله ويسَّر، فينبغي إبعادها عن المساجد؛ حتى لو دعت الحاجة إلى توسيع المسجد وُسِّع المسجد، وحتى لا يظن جاهل أن للدفن جوار المساجد سراً أو قصداً، فينبغي أن تكون المقابر بعيدة عن المساجد حتى لا يظن ظان خلاف الحق، أو حتى لا تدعو الحاجة إلى التوسعة، فيكون وجود القبور مانعاً من ذلك، أو داعياً إلى نبشها، ونقلها مرة أخرى، المقصود أن القبور التي حول المساجد لا تمنع من الصلاة في المساجد، إنما المحرم أن تُبنى المساجد على القبور، وأن تتخذ القبور مساجد هذا هو الذي نهى عنه النبي  يقول  : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد 6 ويقول : ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك 7 فلا يجوز أن يُبنى على القبور مساجد، ولا يُصلى حولها، ولا بينها، ولا يدفن الميت في المسجد، كل هذا لا يجوز، يجب أن تُدفن الموتى بعيداً عن المساجد، وألا تقام المساجد على القبور، هكذا نهى الرسول  عن ذلك؛ ولكن متى وجد قبور جوار المسجد لم تمنع من الصلاة فيه”8.

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: “إذا كان المسجد ليس في المقبرة، وليس فيه قبر، فالصلاة فيه صحيحة”، فسأله سائل: لكن بجواره قبر وليس ببعيد؟ فقال الشيخ: “ولو كان في جوار المقبرة، ما دامت المقبرة ليست أمام المسجد، بل على اليمين أو على اليسار فليس فيها شيء، لقول النبي : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً9، أما إذا كان المسجد قد بني على القبر فالصلاة فيه لا تصح، وإن دفن الميت في المسجد فإنه يجب أن ينبش القبر، ويدفن مع قبور الناس”10. وسئل الشيخ … مقبرة قام الناس، وبنوا عندها مسجد على بعد عشرة أمتار فما حكم إقامة هذا المسجد؟

فأجاب – رحمه الله -: “إذا كان خارج عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلين، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة بكونه أي المسجد حول المقبرة؛ فهذا لا بأس به، فإما إذا بني في جانب منها، أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل؛ فهذا لا يجوز”11.

وسئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – ما حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟ فأجاب قائلاً: “لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر، لا في قبلته، ولا خلف المصلين، ولا عن إيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن يُنبش هذا القبر، وأن يدفن مع الناس، أما إذا كان القبر سابقاً على المسجد، وبني المسجد عليه؛ فإنه يجب أن يهدم المسجد، وأن يبعد عن القبر، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جداً، فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد، وربما يدعو إلى الغلو فيه، وإلى التبرك به، وهذا خطر عظيم على المسلمين، لكن إن كان القبر سابقاً وجب أن يُهدم المسجد، ويغير مكانه، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين، والصلاة إلى القبر محرمة، ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله : لا تصلوا إلى القبور 12والله المستعان”13.

فاتضح من فتاوى العلماء وكلامهم أن الصلاة تصح في مسجد قبلته مقبرة أو قبور إن كان هناك فاصل غير جدار المسجد يفصل هذه المقبرة عن المسجد، وإن لم يكن فاصلاً فتكره الصلاة سداً للذريعة. هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


1 – مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – المجلد العاشر.

2 – صحيح مسلم (ج 5/ ص95 – 1614)

3 – المعجم الكبير للطبراني (ج 10 / ص 68 – 11882) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة – مختصرة – (ج 3 / ص 13 –  1016) 

4 – في كتابه ” الأم ” (1/ 246)

5 مجموع فتاوى ورسائل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – المجلد الثالث عشر.

6 – صحيح البخاري (ج 5 / ص 99 – 1244) وفي (ج 5 / ص 190 –  1301)  وصحيح مسلم – (ج 3 / ص 123 – 823)

7 – صحيح مسلم (ج 3 / ص 127 – 827)

8 http://www.forum.alqasas.com/showthread.php?t=9959

9 – صحيح البخاري (ج 2 / ص 58 – 323) وفي (ج 2 / ص 218– 419)

10 –  http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=

11 – مكتبة الفتاوى : فتاوى نور على الدرب (نصية) : التوحيد والعقيدة ” الشيخ ابن العثيمين رحمه الله “

12 – صحيح مسلم (ج 5 / ص 95 – 1614)

13 – مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر – باب اجتناب النجاسة.