صلاة القدوم في المسجد
الحمد لله الكريم المنان,المتفضل على عباده بأصناف النعم وأنواع الإحسان,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى والرحمة وصلاح القلوب والأبدان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان, وسلم تسليماً مزيداً
أما بعد:
فإن من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يفعلها في مجمل حياته سنة ربما غفل عنها كثير من المسلمين، وهي سنة ينبغي إحياؤها في زماننا هذا، تلك هي سنة القادم من السفر وذلك أنه يسن له أن يصلي ركعتين في المسجد قبل الوصول إلى بيته وأهله، ثم يذهب بعد ذلك إلى أهله، اقتداء بحبيب الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويدل لهذا ما يلي:-
1 – عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» وفي رواية لمسلم: «ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ»1.
الشاهد: «إذا قدم من سفر ضحى دخل المسجد فصلى ركعتين».
وجه الدلالة:
أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يصلي ركعتين إذا قدم من السفر, مما دل على أنها سنة، وأن محل إيقاعها هو المسجد ليكون أول منزل ينزله.
2- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ-: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى_ فَقَالَ: (صَلِّ رَكْعَتَيْنِ) وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي»2.
وفي رواية: «اشْتَرَى مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا, فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ»3.
وفي رواية عنه قال: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا, ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِد. قَالَ الْآنَ حِينَ قَدِمْتَ قُلْتُ: “نَعَمْ”قَالَ: (فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ: “فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ”»4.
فهنا نجد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر هذا الصحابي بصلاة القدوم، فصلاها ركعتين كما أمره، وهذا مشروع للأمة الإسلامية.
قال النووي: “وهذه الصلاة مقصودة للقدوم، لا أنها تحية المسجد”.
ومعنى كلامه هذا: أن هذه السنة متميزة ومستقلة عن صلاة تحية المسجد، وبفعلها تسقط تحية المسجد5.
والله أعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
1رواه البخاري -2858- (10/323) ومسلم -1171- (4/36).
2 رواه البخاري -2219- (8/227)صحيح مسلم -1168- (4/32).
3 رواه البخاري -2859-(10/325) ومسلم -1169- (4/34).
4 رواه البخاري -1955-(7/279) ومسلم -1170- (ج 4 / ص 35) واللفظ لمسلم.
5 أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية- لـ( إبراهيم بن صالح الخضيري) (1/166). بتصرف.