إغلاق أبواب المساجد
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، والمبعوث رحمةً للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد:
فإن المساجد بيوت الله؛ كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا1.} وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } 2.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من بنى لله بيتاً بنى له بيتاً في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم : " من بنى لله بيتاً – أي مسجداً- بنى الله له بيتاً في الجنة " 3. وفي رواية: " من بنى مسجداً لله بنى الله له في الجنة مثله " 4.
فينبغي أن لا يكدر صفو روادها؛ بأي نوع من أنواع المكدرات، بل يجب أن يكون المسجد مهيئاً ومرتباً ومنظفاً أمام القادمين إليها لأداء العبادة..
وعليه فإن هذه البيوت ينبغي أن تكون مفتحة أبوابها أمام عمارها بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والتعليم، وذلك في أي وقت من ليل أو نهار؛ ولذلك فإن على فراش المسجد أن يقوم بهذا الواجب، قال القاسمي – رحمه الله – : قال التاج السبكي في معيد النعم: من حقه – أي بواب المسجد- المبيت بقرب الباب بحيث يسمع من يطرقه عليه، والفتح لساكن في المكان، أو قاصداً مقصداً دينياً من صلاة أو اشتغال أي وقت جاء من أوقات الليل 5.
قال ابن رجب في في الفتح باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد
وقال لي عبد الله بن محمد : ثنا سفيان ، عن ابن جريج ، قال : قال لي ابن أبي مليكة : يا عبد الملك ، لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها .
هذا الأثر رواه الإمام أحمد ، عن ابن عيينة .
قال يعقوب بن بختان : سئل أبو عبدالله – يعني : أحمد – عن المسجد يجعل له أبواب ؟ فلم ير به بأساً، وقال : ثنا ابن عيينة ، عن ابن جريج ، قال : قال لي ابن أبي مليكة : لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها .
وقال جعفر بن محمد : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسجد يغلق بابه ؟ قال : إذا خاف أن يدخله كلب أو صبيان .
وقال أصحاب الشافعي : لا بأس بإغلاق المسجد في غير وقت الصلاة ؛ لصيانته أو حفظ آلاته .
قال بعضهم : هذا إذا خيف امتهانه وضياع ما فيه ، ولم تدع إلى فتحه حاجة ، فأما إذا لم يخف من فتحه مفسدة ولا انتهاك حرمة، وكان فيه رفق بالناس، فالسنة فتحه ، كما لم يغلق مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – في زمنه ولا بعده .
وقالوا : يكره إدخال المجانين والصبيان – الذين لا يميزون – المساجد ، ولا يحرم ذلك ؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى وهو حامل أمامة ، وفعله لبيان الجواز .
وقال أصحاب مالك : إذا كان الصبي يعبث فلا يؤت به المسجد ، وإن كان لا يعبث ويكف إن نهي فجائز ….
واختلف الحنفية في إغلاق المساجد في غير أوقات الصلوات : فمنهم من كرهه ؛ لما فيه من المنع من العبادات . ومنهم من أجازه ؛ لصيانته وحفظ ما فيه . فتح الباري لابن رجب – (ج 3 / ص 277)
فالحاصل أنه يجب صيانة المساجد من العبث والامتهان فلا تترك مفتوحة لكل عابث وجاهل، بل يجوز إغلاقها في وقت الضرورة أو الحاجة، قال القاسمي: والقصد أن غلق أبواب المساجد والمدارس في النهار لا يجوز إجماعاً إلا لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وأما في الليل فيجوز إغلاقها إذا كان فيها ما يخشى عليه من سارق …
وكم جر تساهل البوابين على المساجد والمدارس والجيران من السرقات ما لا يحصى؟ فكم سجادة سرقت من مسجد ومدرسة؟ وكم حجرة نهبت؟ وكم من حائط نقب منها وتوصل منه إلى دكان تاجر فسرق ما فيها؟ ولو كان لبواب المسجد وهو خادمه عين لا تنام؛ كالحارس لما وقع شيء من ذلك، فوا أسفاه على شروط الواقفين الضائعة، وعلى التهام أموال الواقف بأنفس طامعة ضارة غير نافعة6.
قال التاج السبكي: ويجب على بوابها أن يبيت خلف بابها؛ لأنه قدّر له مرتبه لذلك – وكل مرتب من جهة الوقف لأمر؛ فلا يحل تناوله إلا برعاية ذلك الآمر وأدائه والقيام به – وإلا فتناوله سحت، وآكله إنما يأكل في بطنه ناراً 7.
نسأل أن يوفق القائمين على المساجد إلى كل خير، وأن يعينهم على القيام بحقوق وواجبات المساجد خير قيام. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..