عدة المرأة المطلقة وماذا يجب عليها حال عدتها

عدة المرأة المطلقة وماذا يجب علي

عدة المرأة المطلقة وماذا يجب عليها حال عدتها

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد بين الله لنا جميع الأحكام التي تهم المسلم في حياته وشؤونه كلها بالنص أو برجوع الأحكام إلى أصول عامة، ومن هذه الأحكام التي بينها: عدة المرأة المطلقة، وماذا يجب عليها حال العدة؛ وفي ذلك يقول مولانا -جلّ في علاه- مبيناً ذلك: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} سورة البقرة(228).

 

وجوب العدة على المطلقة:

يقول تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ} أي اللاتي طلقهن أزواجهن بعد الدخول بهن؛، وظاهر هذه اللفظة أنها عامة في كل مطلقة، ولكن الله قد بين في آيات أخرى خروج بعض المطلقات من هذا العموم، فخرجت المعقود عليها ثم طلقت قبل الدخول بها؛ لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} سورة الأحزاب(49). فإنه لا عدة عليها.

وكذلك خرجت الحامل فإن عدتها وضع حملها؛ لقوله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} سورة الطلاق(4).

وكذلك يخرج من عموم هذه الآية النساء اللواتي لم يحضن لكبر أو صغر سن فإن عدتهن ثلاثة أشهر؛ لقوله: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ واللاتي لَمْ يَحِضْنَ} سورة الطلاق (4).

وقد أخرج الصحابة، والأئمة الأربعة من هذا العموم أيضاً: الأمَة إذا طُلِّقت، فإنها تعتدّ عندهم بقرءين؛ لأنها على النصف من الحرة، والقُرْء لا يتبعض فكُمّل لها قرءان ولأن سياق الآيات يدل على أن المراد بها الحرة.

وقوله: {يتربصن بأنفسهن} أي ينتظرن في العدة، ويَحبسن أنفسهن عن الزواج في حال العدة؛ وذلك لأن المرأة بطبيعتها تطلب النكاح؛ فقيل لها: تربصي بنفسك؛ انتظري فلا تعجلي، مثلما أقول: ارفق بنفسك -أي هوِّن على نفسك-؛ وما أشبهها..

وقوله: {يتربصن} خبر يفيد الأمر، والمعنى ليتربصن، ولهذا الأسلوب شواهد في اللغة العربية، ومن ذلك ما جاء من كلام ربنا تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} سورة البقرة(233). أي ليرضعن.

عدة المطلقة المدخول بها:

المرأة التي دخل بها زوجها فجامعها ثم طلقها بعد ذلك وجب عليها أن تعتد بثلاثة قروء لقوله تعالى في هذه الآية: {ثلاثة قروء} والقروء جمع قَرْء بفتح القاف؛ وقد اختلف السلف والخلف والأئمة قديماً في المراد بالأقْرَاء على قولين: أرجحهما قول من قال: المراد به الحيض؛ وهو قول الجمهور؛ ويشهد لهذا القول ما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم-  قال في حق المستحاضة: (تجلس أيام أقرائها). أي حيضها؛ فقوله تعالى: {ثلاثة قروء} أي ثلاث حيض.

فقد بين الله أن عدة المرأة المطلقة المدخول بها ثلاث حيض؛ كما هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.

الحكمة في العدة:

إن لعدةِ المطلقة حِكَماً عديدة، منها: العلم ببراءة الرحم، فإذا تكررت عليها الثلاثة الأقراء علم أنه ليس في رحمها حمل، فلا يفضي إلى اختلاط الأنساب، ولهذا أوجب تعالى عليهن الإخبار عن: {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} وحرم عليهن كتمان ذلك من حمل، أو حيض؛ لأن كتمان ذلك يفضي إلى مفاسد كثيرة، فكتمان الحمل موجب أن تلحقه بغير من هو له رغبة فيه، واستعجالا لانقضاء العدة، فإذا ألحقته بغير أبيه، حصل من قطع الرحم والإرث، واحتجاب محارمه وأقاربه عنه، وربما تزوج ذوات محارمه، وحصل في مقابلة ذلك إلحاقه بغير أبيه، وثبوت توابع ذلك من الإرث منه وله، ومن جعل أقارب الملحق به أقارب له، وفي ذلك من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد، ولو لم يكن في ذلك إلا إقامتها مع من نكاحها باطل في حقه، وفيه الإصرار على الكبيرة العظيمة، وهي الزنا لكفى بذلك شراً.

وأما كتمان الحيض بأن استعجلت وأخبرت به وهي كاذبة، ففيه من انقطاع حق الزوج عنها، وإباحتها لغيره وما يتفرع عن ذلك من الشر، كما ذكرنا، وإن كذبت وأخبرت بعدم وجود الحيض، لتطول العدة، فتأخذ منه نفقة غير واجبة عليه، بل هي سحت عليها محرمة من جهتين:

من -جهة- كونها لا تستحقه، ومن كونها نسبته إلى حكم الشرع وهي كاذبة، وربما راجعها بعد انقضاء العدة، فيكون ذلك سفاحاً، لكونها أجنبية عنه، فلهذا قال تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.

فصدور الكتمان منهن دليل على عدم إيمانهن بالله واليوم الآخر، وإلا فلو آمنّ بالله واليوم الآخر، وعرفن أنهن مجزيات عن أعمالهن، لم يصدر منهن شيء من ذلك.

وكذلك من الحِكِم في هذه العدة: أنه ربما أن زوجها ندم على فراقه لها، فجعلت له هذه المدة ليتروى بها، ويقطع نظره.

وهذا يدل على محبته تعالى للألفة بين الزوجين، وكراهته للفراق؛ كما رُوي في الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم-: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)1.

ماذا يجب عليها إن كانت حاملاً:

إذا كانت المرأة المطلقة حاملاً فإن عليها أن لا تكتم ذلك؛ بل يجب عليها أن تخبر بذلك وليها؛ لقوله: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ} أي يخفين {مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} أي من الحمل أو الحيض؛ فلا يحل لها أن تكتم ذلك.

ثم قال تعالى: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} أي إن كن هؤلاء النسوة المطلقات من ذوات الحمل فليخبرن بذلك: {إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}؛ فإن كتمن ذلك فقد دلت الآية بمفهومها أنهن ليس صادقات في إيمانهن بالله ولا باليوم الآخر؛ والمراد بـ{اليوم الآخر} يوم القيامة؛ وإنما سمي اليوم الآخر؛ لأنه لا يوم بعده؛ ذلك أن الناس إذا بعثوا يوم القيامة فليس هناك موت؛ بل إما خلود في الجنة -نسأل الله ذلك-؛ وإما خلود في النار -والعياذ بالله-؛ وذكر اليوم الآخر؛ لأن الإيمان به يحمل الإنسان على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات؛ لأنه يعلم أن أمامه يوماً يجازى فيه الإنسان على عمله؛ فتجده يحرص على فعل المأمور، وترك المحظور.

الزوج أحق برد زوجته ما دامت في العدة:

فإذا كانت في حال العدة وأراد الزوج رجعوها فهو أولى وأحق بذلك؛ لقوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أي لأزواجهن ما دامت متربصة في تلك العدة أن يردوهن إلى نكاحهن {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} أي ألفة، ومودة، والتئاماً بينهما، وإزالة لما وقع من الكسر بسبب الطلاق، وما أشبه ذلك..

وأما إذا خرجت من العدة ولكنها لم تستوف الطلقات الثلاث فإن له مراجعتها بعقد ومهر جديد إذا اتفقا على ذلك، وأما إذا كانت قد استوفت الطلقات الثلاث فليس له مراجعتها إلا من بعد أن تنكح زوجاً غيره بعقد صحيح، ومهر جديد، ثم إن بدا له بعد ذلك أن يتزوجها فله ذلك إذا وافقت على ذلك، ووفقاً للضوابط الشرعية..

وقد دلت الآية بمفهومها أنهم إن لم يريدوا الإصلاح، فليسوا بأحق بردهن، فلا يحل لهم أن يراجعوهن لقصد المضارة لها، وتطويل العدة عليها..

للمرأة حقوق وعليها مثل ذلك:

قال سبحانه وتعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ فكما أن على الزوجة أن تتقي الله –تعالى- في حقوق زوجها، وأن تقوم بما فرض الله عليها من الحقوق والواجبة والمستحبة؛ فلها أيضاً مثل الذي له في أنه يجب على الزوج أن يعاشرها بالمعروف، وأن يقوم بحقها الذي أوجب الله عليه.

فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف؛ كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وعن معاوية بن حَيْدَة القُشَيري، عن أبيه، عن جده، أنه قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)2. وعن ابن عباس قال: "إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}".

ومرجع الحقوق بين الزوجين إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد.

وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء – الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق.

وأما مع الشرط فعلى شرطهما، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا.

وللرجال عليهن درجة:

لما كانت المماثلة تقتضي المساواة احترس بقوله: {وللرجال عليهن درجة}؛ حتى لا يذهب الذهن إلى تساوي المرأة والرجل من كل وجه؛ لأن الخالق الرازق، اللطيف الخبير؛ لم يسوي بين الذكر والأنثى من كل الوجوه؛ بل قال حاكياً عن أم مريم أنها قالت لما وضعتها: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى … وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} سورة آل عمران(36)..

وقد بين هذه الدرجة التي تميز بها الرجل عن المرأة في آية أخرى؛ فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} سورة النساء(34). فأشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة؛ وذلك لأن الذكورة شرف وكمال، والأنوثة نقص خلقي طبيعي، والخلق كأنه مجمع على ذلك؛ لأن الأنثى يجعل لها جميع الناس أنواع الزينة والحلي، وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي الذي هو الأنوثة بخلاف الذكر فجمال ذكورته يكفيه عن الحلي ونحوه..

وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين، بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ}  سورة الزخرف(18)؛ لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها المراد جبره، والتغطية عليه بالحلي؛ كما قال الشاعر:

وما الحلي إلا زينة من نقيصة *** يتمم من حسن إذا الحسن قصرا

وأما إذا كان الجمال موفراً *** كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا

ولأن عدم إبانتها في الخصام إذا ظلمت دليل على الضعف الخلقي؛ كما قال الشاعر:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له *** ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب

فلم يعتذر عذر البريء ولم تزل *** به سكتة حـتى يقـال مريب

ولا عبرة بنوادر النساء؛ لأن النادر لا حكم له.

وأشار بقوله: {وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}  سورة النساء (34) إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله أن يكون قائماً على الضعيف الناقص خلقة.

ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفاً على ميراثها؛ لأن من يقوم على غيره مترقب للنقص، ومن يقوم عليه غيره مترقب للزيادة، وإيثار مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة.

كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ} سورة البقرة (223)؛ لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة. ويوضح هذا لمعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل، فلو أكره على البقاء مع من لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره، ولا ينتشر إليها، فلم تقدر على تحصيل النسل منه، الذي هو أعظم الغرض من النكاح بخلاف الرجل، فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري.

وقد بين العلامة ابن عثيمين معنى قوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} وبين معنى تلك الدرجة، ولخص تلك الدرجة التي فضل بها الرجال على النساء حيث أشار إلى أن الرجل قد فضل على المرأة: في العقل، والجسم، والدين، والولاية، والإنفاق، والميراث، وعطية الأولاد.

ثم شرح ذلك، فقال: الأمر الأول: العقل؛ فالرجل عقله أكمل من عقل المرأة؛ وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن)؛ قلن: ما نقصان العقل يا رسول الله؟ قال: (أليس شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ فذلك نقصان عقلها)3. الأمر الثاني: الجسم؛ فإن الرجل أكمل من المرأة في الجسم؛ فهو أنشط من المرأة، وأقوى في الجسم. الأمر الثالث: الدين؛ فإن الرجل أكمل من المرأة في الدين؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال في المرأة: (إنها ناقصة في الدين)؛ وفَسر ذلك بأنها إذا حاضت لم تصلّ، ولم تصم ؛ ولهذا يجب على الرجل من الواجبات الدينية ما لا يجب على المرأة، كالجهاد مثلاً. الأمر الرابع: الولاية؛ فقد فضل الرجل على المرأة في الولاية؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل الرجل قواماً على المرأة؛ فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض؛ ولهذا لا يحل أن تتولى المرأة ولاية عامة أبداً -لا وزارة، ولا غير وزارة -؛ فالولاية العامة ليست من حقوق النساء أبداً، ولا يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة. الأمر الخامس: الإنفاق؛ فالزوج هو الذي ينفق على المرأة؛ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اليد العليا خير من اليد السفلى)4؛ و "اليد العليا" : هي المعطية؛ و"السفلى": الآخذة. الأمر السادس: الميراث، وعطية الأولاد؛ فإن للذكر مثل حظ الأنثيين.

ختام الآية:

ثم ختم الله –سبحانه- هذه الآية بقوله: {والله عزيز} أي عزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره {حكيم} في أمره وشرعه وقدره..

بعض الفوائد المستفادة من الآية:

1.     وجوب اعتداد المطلقة بثلاث حيض؛ لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن}.

2.  وجوب العدة بثلاث حيض على كل مطلقة سواء كان طلاقها بائناً أم لا؛ لعموم قوله تعالى: {والمطلقات}. ويستثنى من ذلك ما سبق ذكره في شرح الآية.

3.  أن من فارق الزوجة بغير طلاق فليس عليها أن تعتد بثلاث حيض، كالمختلعة؛ وعليه فيكفي أن تستبرئ بحيضة؛ وهذا هو القول الراجح. (كما قال ابن عثيمين)

4.  أنه يرجع إلى قول المرأة في عدتها، وفي كل أمر لا يعلم إلا من جهتين، وتعذر إقامة البينة غالبًا على ذلك، ولذلك فقد ردّ الأمر إليهن في العدة، وتُوُعِّدْنَ فيه، لئلا يخبرن بغير الحق إما استعجالا منها لانقضاء العدة، أو رغبة منها في تطويلها، لما لها في ذلك من المقاصد، فأمرت أن تخبر بالحق في ذلك من غير زيادة ولا نقصان؛ لقوله: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}.

5.  أنه ينبغي تحذير المؤتمن الذي لا يعلم بأمانته إلا الله –عز وجل- من عذاب يوم الآخر إن هو لم يقم بواجب الأمانة؛ لقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}.

6.  أنه لا حق للزوج في الرجعة إذا لم يرد الإصلاح؛ لقوله تعالى: {إن أرادوا إصلاحاً}؛ وقال بعض أهل العلم: "إن هذا ليس على سبيل الشرط؛ ولكنه على سبيل الإرشاد"؛ وهو خلاف ظاهر الآية؛ والواجب إبقاء الآية على ظاهرها؛ فليس له أن يراجع إلا بهذا الشرط.

7.     أن للزوجة حقاً كما أن عليها حقاً؛ لقوله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن}.

8.     إثبات الرجوع إلى العرف؛ لقوله تعالى: {بالمعروف}؛ وهكذا كل ما جاء ولم يحدد بالشرع فإن مرجعه إلى العرف.

9.  أن الذين لهم درجة على النساء هم الرجال الذين هم جديرون بهذا الوصف؛ وأما من جعل نفسه بمنزلة النسوة فهذا يكون شراً من المرأة؛ لأنه انتكس من الكمال إلى الدون؛ ومن ثم لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء؛ والمتشبهات من النساء بالرجال. حتى لا يعتدي أحد على حق أو على اختصاصات أحد5.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 رواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر، وضعفه الألباني، في ضعيف أبي داود، رقم(472). وضعيف ابن ماجه، رقم(441).

2  رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح"؛ كما في صحيح أبي داود، رقم(1875).

3 رواه البخاري.

4 رواه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام.

5 راجع: تفسير القرآن العظيم(1/363) للحافظ ابن كثير. والجامع لأحكام القرآن(3/107) للقرطبي. وأضواء البيان(1/128) للشنقيطي. وتفسير الكريم الرحمن(1/101) للعلامة ابن سعدي. وتفسير ابن عثيمين، المجلد الثالث.