صيام رمضان وحكم من أفطره!

صيام رمضان وحكم من أفطره!

الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإنَّ الله خلق الخلق ليعبدوه، وقد ارتضى لهم أن يعبدوه بدين الإسلام؛ لأنه هو الذي رضي أن يعبده الناس به: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا سورة المائدة(3). وقد أخبر الله -جل جلاه- أنه لن يقبل من أحد دينا سواه، فقال تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ سورة آل عمران(85). وقد بين للعباد ما يحل لهم وما يحرم عليهم فعله، بل جعل بناء الإسلام قائماً على خمسة أركان عظام؛ قال العلامة حافظ حكمي-رحمه الله-:

فقـد أَتى الإسـلام مبنياً على

أولهـا الركن الأسـاس الأعظم

ركن الشهادتين فاثبت واعتصم

وثانيـاً إقامـة الصــلاة

والرابع الصيام فاسمـع واتبع

خمس فحقق وادر ما قد نُقـلا

وهو الصراط المستقيم الأقـوم

بالعروة الوثقى التي لا تنفصم

وثـالثـاً تأديــة الـزكـاة

والخامس الحج على من يستطـع1

ومن هذه الأركان: صيام رمضان، فقد فرض الله علينا الصيام كما فرضه على من قبلنا من الأمم؛ كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة (183). ومعنى: كُتِبَ أي فرض وأوجب.

وقد جاءت السنة ببيان أن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)2.

وعن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خمس صلوات في اليوم والليلة). فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع). قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وصيام رمضان). قال: هل عليَّ غيره؟ قال: (لا، إلا أن تطوع). قال: وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع). قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أفلح إن صدق)3.

وقد أجمع “المسلمون على فرضية صوم رمضان إجماعاً قطعياً معلوماً بالضرورة من دين الإسلام، فمن أنكر وجوبه فقد كفر فليستتاب فإن تاب وأقر بوجوبه وإلا قتل كافراً مرتداً عن الإسلام، لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يُدعى له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يحفر له بعيداً في مكان ويدفن لئلا يؤذي الناس برائحته ويتأذى أهله بمشاهدته”4. وعليه فإن من أنكر وجوب صوم رمضان فإنه قد أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، ومن أنكر شيئاً معلوماً من الدين فإنه يكون كافرا مرتداً، وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، بهذا، فقد سئلت السؤال التالي: هل من حق العلماء أن يقولوا على شخص ما إنه كافر ويتهموه بالكفر؟

فكان مما أجابت به اللجنة: “…وتكفير المعين إذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة؛ كالصلاة، أو الزكاة، أو الصوم بعد البلاغ واجب، وينصح، فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله كفرًا، ولو لم يشرع تكفير المعين عندما يوجد منه ما يوجب كفره ما أقيم حد على مرتد عن الإسلام. وبالله التوفيق”5.

وأما من أفطر رمضان وهو غير منكر لوجوبه، وإنما أفطره تهاوناً، أو تكاسلاً، وهو يقر بوجوبه؛ فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، فقد سئل العلامة ابن باز-رحمه الله-: ما حكم من أفطر في رمضان غير منكر لوجوبه، وهل يخرجه من الإسلام تركه الصيام تهاونا أكثر من مرة؟

فأجاب -رحمه الله-: “من أفطر في رمضان عمدا لغير عذر شرعي فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولا يكفر بذلك في أصح أقوال العلماء، وعليه التوبة إلى الله -سبحانه- مع القضاء، والأدلة الكثيرة تدل على أن ترك الصيام ليس كفرا أكبر إذا لم يجحد الوجوب وإنما أفطر تساهلا وكسلا. وعليه إطعام مسكين عن كل يوم إذا تأخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر شرعي…”6.

ولكن مع هذا يقال: إن من أفطر رمضان كله بدون عذر شرعي فإنه يخشى عليه الردة حتى وإن كان مقراً بوجوبه، وخاصة إذا تكرر منه أكثر من سنة فإنه والحالة هذه على خطر عظيم يخشى على من هذا حاله أن يكون في حكم من ينكر وجوبه بقوله، وهذا يكون قد أنكره بفعله، وإن لم يصرح بلسانه.

وأما من أفطر رمضان لمدة من عمره وهو يصلي فعليه قضاء ما أفطره، وإن كان لا يصلي حينما أفطر فلا شيء عليه؛ لأنه يعتبر كافراً في حال تركه للصلاة، فقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بسؤال نصه: ‏”شخص في الثامنة والعشرين من العمر وما صام شهر رمضان حتى بلغ عمره 35 سنة، وبعد هذه المدة تاب إلى الله عز وجل، واليوم محتار هل يقضي أو يفدي أو يتصدق وماذا يجب على هذا الرجل حيث أنه محتار جداً، وماذا تدلون هذا الرجل عليه‏؟‏ أفيدوني جزاكم الله خيراً”‏.‏

فكان الجواب كالتالي: “إذا كان يصلي حين الترك فعليه القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم أخر قضاءه مقدار نصف صاع من بر أو أرز، وإن كان لا يصلي فالتوبة كافية وليس عليه قضاء الصوم ولا الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر وردة عن الإسلام والمرتد لا يؤمر بالقضاء‏.‏  وبالله التوفيق”‏7.‏ وعلى كل حال كيف يليق بمسلم رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً ورسولاً أن يتهاون في ترك واجب من الواجبات الشرعية، فضلاً أن يكون هذا الأمر ركناً من أركان الدين، كما عليه أن يحذر من فعل ما حرم الله في كتابه ورسوله في سنته، بل المؤمن الحق يفعل الطاعات الواجبة والمستحبة، ويترك المحرمات والمكروهات، ويتنزه عن الشبهات. نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.


1 معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول(2/613). الناشر: دار ابن القيم – الدمام. الطبعة الأولى (1410). تحقيق: عمر بن محمود أبو عمر.

2 رواه البخاري ومسلم.

3 رواه البخاري ومسلم.

4 مجالس شهر رمضان، صـ (13) للعلامة ابن عثيمين.

5 انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/212). تأليف: أحمد بن عبد الرزاق الدويش. رقم الفتوى (6109).

6 راجع: تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، صـ (234).

7 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(12/431) رقم الفتوى (11537).