الفضائيات في رمضان

الفضائيات في رمضان

الفضائيات في رمضان

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

معشر المسلمين: إليكم هذه الإعلانات الرمضانية: في إحدى القنوات العربية الإسلامية: تشهد الدراما التلفزيونية المقرر عرضها خلال شهر رمضان المبارك المقبل مشاركة عدد كبير من المطربين، بالإضافة إلى أن هذه المسلسلات تتعلق بصورة مباشرة بحياة بعض المطربين أو تدور أحداثها حول مطربين، ومنها مسلسل "العندليب" والذي تدور أحداثه حول حياة المطرب الراحل عبد الحليم حافظ. وأيضا مسلسل "السندريلا" حول حياة سعاد حسني، ويشارك في بطولته عدد من المطربين.

كما تدور أحداث مسلسل "آن الأوان" الذي تلعب بطولته إحدى الفنانات حول مطربة كبيرة تُسخِّر كل إمكانياتها للوقوف بجانب المواهب الحقيقة في الغناء من الشباب والفتيات1.

وفي إحدى القنوات في بلادنا الإسلامية التي لا زالت بالأمس تضرب برنامج عنوانه: "الكل عم بيمثل" برنامج تمثيلي من عشر دقائق، يعتمد على تلفزيون الواقع يعرض يومياً خلال شهر رمضان المبارك، يجولون شوارع بيروت المضطهدة ويسألون أشخاصاً عاديين تهمهم فكرة المشاركة في تمثيلية مع الفريق، يتم اصطحاب الأشخاص المهتمين بالأمر إلى موقع التصوير حيث يشرح لهم المخرج دورهم في التمثيلية، فيرتجلون المشاهد مع الممثلين الرئيسين في جو كوميدي مليء بالمتعة والحماس!!!2، سبحان الله!! أيعقل هذا في البلد المنكوب بالأمس، وفي شهر رمضان شهر القرآن، ويقومون بجولة في الشوارع وكأن لا عمل لهم سوى هذا الترويج؛ ليجروا أبناء المسلمين إلى الرذيلة سواء دروا بذلك أم لا، أيكون هذا في بلد لا زالت دماء أقاربهم لم تدفنها الأغبرة، ولا زالت ذكرى أشلائهم لم تنسيها العَبرة، أهذا يتوقع في أرض تكالبت عليها الأعداء وأنشبت عليها أظفارها فوقفت أمامها بالتحدي والصمود ما بالها بدأت تظهر تقربها وتوددها إليهم، وكأنها تريد أن ترضيهم، وتريهم أنها قريبة منهم في أخلاقها وتنصلها عن دينها!.

هناك غير هذه الإعلانات تتهافت وكالات الإعلام في مختلف البلدان الإسلامية في طرح الخطط الرمضانية والإعلان عن المسلسلات والبرامج الملهية عن مميزات شهر رمضان المبارك والطاعات التي لا عوض عنها في غير هذا الشهر المبارك.

عباد الله: أهذا يجري في بلاد المسلمين! أيعقل من أبناء الصحابة -رضي الله عنهم- أن تقام مثل هذه البرامج والتفسخات في العقيدة والمبادئ، إنه لإثم عظيم، وعار ما بعده عار، هذا والله الذي أوردنا المهالك، وهو الذي جلب علينا ألوان العذاب وأنواع الذل والهوان.

ما بال كثير من الناس يعرضون عن تعظيم شعائر الله، وينحرفون عن تقديس معالم الدين! أألهتهم لفتات الإعلان، أم مغريات الإعلام! حتى نجد في أمتنا الصائمة من تنشغل عن الصوم والتعبد والطاعة بما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني من الحق شيئاً، تنشغل بجهاز التلفزيون كما يقال، ويصح أن يقال له: تلفُ الدين.

أيها الناس: هل يصح بالله عليكم: أن يأتي رمضان مقبلاً يستقبل الناس بأبوابه المفتحة للرحمة، وأيامه العامرة بالمغفرة، ويأتي فئام من الناس يستقبلونه من قبل شهرين وربما من بعد خروجه العام الماضي، ويحسبون له حساباً شغل أذهانهم وفكرهم، ولكن بم يستقبلونه؟ يستقبلونه بالمسلسلات الدرامية، والأفلام الغرامية، والبرامج الإجرامية، يظل مخرجوها في انهماك عجيب كيف يزوقونها للجمهور، وكيف يروجون لها، وكيف يجعلونها جاذبة لأكبر عدد من الناس العالة في أفكارهم ومبادئهم على المارِّين في طريق الظلمات، وكيف يجعلونها للأدمغة كالصابون والمطهرات للأدران!!.

ونحن في سبات عميق، وفي ظلام دامس كالبوم أبى أكثرنا أن يخرج إلى النور إلا من رحم الله، وأمتنا في هوان دائم من حين أضعنا شعائر الإسلام، ومبادئ الدين، والأمم تعيث فينا الفساد، وتسلب أراضينا وأرواحنا، وتسفك دماءنا، ونحن في غفلة معرضون.

ومع هذا فإنك إذا نظرت إلى قنوات التلفاز في بلدان المسلمين المحلية منها والفضائية، ترى جيوشا من الشعوب الإسلامية -نساءً ورجالاً، شباباً وكهولاً-، يحيون لياليهم -بل قل: يميتونها- بالرقص الفاجر، والغناء الماجن، واتخاذ كل وسيلة من وسائل الفحش والمنكر، وترى عامة الأسر والأفراد في الشعوب الإسلامية، قد اتجهوا إلى شاشات التلفاز واتخذوه قبلةً لهم، يحطمون بمناهجه أخلاقهم، ويغفلون عن مصالحهم المهدرة، والمفاسد النازلة بهم المدمرة لحياتهم، بدلاً من اتجاههم إلى القبلة ليقتدوا بمن تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا3.

تخال بيوتهم في الليل أسواقاً، وفي النهار قبوراً، العدو يعد العدة لإهانتهم صباحَ مساءَ، يصنع السلاح النووي، وقادتهم هم يشجعونهم على الطرب بآلاته وميوعته!4.

ومما يؤسف المؤمنَ ويحزنه أن يرى بعض أغنياء الأمة الإسلامية، يؤسسون قنوات فضائية متخصصة تستغرق أزمانا طويلة من البث المباشر وغير المباشر، في جوانب معينة من اللهو العابث واللعب التافه، يشغلون بها أوقات الشعوب الإسلامية ويفسدون بها أخلاقهم، مع علمهم بجهل أغلب تلك الشعوب بحقيقة دينها، وبعد كثير منهم عن تطبيق هذا الدين5.

وبعلم كثير من المسلمين بأهداف تلك القنوات التي تبث الشر والفحشاء في بيوت المسلمين، ومن شرها وبلائها الدعاية إلى شرب الخمور وتعاطي المسكرات والمخدرات، والدعوة إلى الاختلاط والإباحية والسفور، والدعوة إلي ميوعة الشعوب الإسلامية، وتنشئة الأجيال تنشئة متهافتة الأطر، متمزقة الأركان سواء كان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة، والشاب إذا رأى ذلك تأمره نفسه التواقة إلى كل جديد أن يجرب مثل ذلك، وإذا وقع فالنهاية معلومة بائسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا جانب من حال الأمة المسلمة الصائمة في رمضان، وأما الجانب الآخر فهو الجانب الذين يتبع كل داعٍ، ويستجيب لك نداء، ألا وهو جمهور الناس الذين قدسوا جهاز التلفاز حتى صار كل شيء يصدر من خلاله أمراً قطعياً مسلماً به، يكاد يكون أول مشرع له، وأشفق راحم به.

وإن من شباب المسلمين من يرى مكانة عظيمة للقنوات الفضائية، حتى إنه ليظن أن ما جاء من القناة الفلانية غير قابل للنقاش، وأنه محض الحق، وتمام الحقيقة، وهذا من أشنع الأحوال التي مرت بأبناء الأمة المسلمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معشر المسلمين: كم يكون نسبة النائمين نهار رمضان في كل بلاد كما تسمعون وتشاهدون! أليس عدداً كبيراً لا يستهان به؟ معظمهم لا ينامون الليل سهراً أمام الشاشات التلفازية يتابعون الأفلام والمسلسلات الماجنة، والمهرجانات والسهرات الرمضانية، وهذا واضح غير خفي على أحد من الناس.

معشر الغيورين على أمتهم: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ6 ، أما نستحي من رب العزة والجبروت! نجاهره بالمعاصي والمنكرات، فلا ديننا نستجيب له، ولا رسول الله نتبعه، ولا حياؤنا باقٍ وكأنما نزعت عروقه من وجوهنا نزعاً، أما لهذا الحال من رجعة إلى الله تعالى قبل أن يذيقنا بعض الذي عملنا، أو يأتينا العذاب من حيث لا ندري ولا نشعر؟.

فينبغي على عموم المسلمين أن يعظموا شعيرة الصيام وهذا الشهر الكريم، وأن يتوبوا إلى الله -عز وجل- من مشاهدة هذه القنوات الفضائية، التي يهدف فيها أعداء الإسلام إلى إضلال المسلمين، وإفساد عقائدهم وأخلاقهم؛ فإن الغالب أن القائمين على مثل هذه القنوات الفاسدة هم من اليهود أو النصارى، أو من أتباعهم من أعداء الإسلام، فعلى المسلم أن يتوب إلى الله -عز وجل-، وأن يقلع عن الذنوب والمعاصي، وأن يغتنم فرصة هذا الشهر بكثرة العبادة، واللجوء إلى الله -عز وجل-، وأن لا يضيع أوقاته ودقائقه الثمينة فيما يضره ولا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

عباد الله: هل أدلكم على شيء إذا عملتموه انتصرتم على أعدائكم، واسترجعتم ملك أجدادكم؟ انصروا الله نصراًَ حقيقاً؛ فمن نصر الله نصره وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ7، وها هو ذا رمضان شهر النصر وشهر الجهاد وشهر العبادة والتضرع إلى الله تعالى والتوسل إليه، لنجعله محطة انطلاقة لنا إلى الإيمان، ومبدأ تحرك روحاني يبعثه الإيمان، ويحدو به القرآن، يسير في طاعة الله لتحقيق طاعة الله، وإلا لحل بنا مثل ما حل بالأمم السالفة كما حكى لنا الله قصصهم في كتابه: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ(96-98) سورة الأعراف. نعم هو الحال فينا كما هو فيهم، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك حيث قال: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ)8.

عباد الله: إن القنوات الفضائية اليوم تسعى لهدم أركان الإسلام ركناً ركناً، وتحطيم المعتقدات، وأن تجعل أبناء المسلمين ينغمسون في شهواتهم، وتظهر عليهم بصمات الانحلال والتفسخ الديني، وذلك عبر وسائل شيطانية تسلك مسلك التدرج، ليتم لها ما خططت له، ومن هنا يظهر لكل عاقل من وراء الستار، ومن يخطط من وراء القنوات، وهل غير اليهود والنصارى أعداء الله ورسوله؟.

ومن آثار الفضائيات في واقع المسلمين اليوم:

¹ البرنامج اليوم في حياة المسلم نفسه تغير كثيراً، فأصبح يأكل عند المسلسل الفلاني، وينام عقب الفيلم الفلاني، ويكون في البيت وقت البرنامج الغنائي وهكذا.

¹ تعطل كثير من الهوايات والمواهب كالقراءة والمطالعة والكتابة والخياطة والحرف والرياضة وغير ذلك، فالتلفاز يطور لدى الإنسان الخمول والجلوس لإعمال البصر والسمع والمشاعر دون أي حركة.

¹ تغيير الهوية الدينية، وتزوير الحقيقة الإسلامية وتشويه التاريخ، تمييع الأجيال، وذلك عبر البرامج التي تخلو عن الفكرة الصادقة، والمشهد الهادف، والحقيقة المؤكدة، حيث تكثر المسرحيات والتمثيليات والأفلام الخيالية والمخترعة، وقد تتنمى بعض العادات السيئة في المجتمع من خلال التلفاز، فنرى من يكرر عبارات اشتهرت في مسلسل ما، أو ممارسة سلوك معين ظهر به نجم الفيلم الممثل الفلاني، وأيضاً تقوم القنوات بطبع الهوية بطابع مناسب مع الحضارة الغربية بعيداً عن تعاليم الإسلام الحنيف.

¹ أما الطفل فقد صار الأب المربي له هو ذاك الجهاز الإليكتروني، الذي يتلقى منه الأخلاق والسلوكيات حسنها – وهي قليلة – وقبيحها – ولا حصر -.

¹ يعود على التعود على المنكر ومن ثم التغاضي عنه، وحين تتعود الأمة على المنكر ثم لا تنكره ستتحطم قيمها، ويخدش حياؤها، وتزدرى الفضائل، ويفسح المجال للرذائل لتتوغل في صدور العالمين.

وهناك أخطار تزعزع بيوت المسلمين من خلال هذا الصندوق الذي وراءه وساوس الشيطان، ومكايد إبليس، وانظروا عافاكم الله ما أكثر الترويج لها في موسم العبادة والصيام، ما ذلك إلا لهدم هذا الدين. يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ9.

أيها الآباء ويا أولياء الأمور: أنتم المسؤولون أولاً وأخيراً عن أولادكم، وأنتم من بيده تسهيل دخول هذه الفضائيات إلى منازلكم، أنتم الذين لو شئتم لأخرجتموها أو لأحرقتموها، ووالله ثم والله إنكم مسؤولون عن فلذات أكبادكم، وستتحملون كل عقبات هذه التربية الفاسدة، وستجنون ثمارها أنتم، بل أنتم الذين زرعتم ذلك الشوك فأنتم أول من يشاك.

ماذا لو لقيتم الله تُسألون فلا تجيبون، وتستنطقون فلا تنطقون، تنطق عنكم أيديكم وأرجلكم وجلودكم، فماذا أنتم فاعلون؟.

لا بد من رجعة إلى الله صادقة في هذا الشهر المبارك، وليكن منطلقنا لتغيير سلوكياتنا، وليكن هذا الشهر دليلاً لنا إلى الخير، ونبذ وسائل الشر، لنعلنها جميعاً أننا -إن شاء الله- سننبذ المسلسلات، وسنقاطع الدرامات والمهرجانات والسهرات التافهة، وسنحد من فضائياتنا فلا نبقي إلا ما وافق شرع الله، ابتداء من اليوم -إن شاء الله-.

اللهم خذ بأيدينا إلى طاعتك، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واهدنا إلى طاعتك.

والحمد لله رب العالمين.



3 (16)سورة السجدة.

4 السباق إلى العقول لعبد الله قادري الأهدل: (1/439).

5 المصدر السابق: (1/432).

6 (41) سورة الروم

7 (40) سورة الحـج.

8 صحيح البخاري: (3197) وصحيح مسلم: (4822).

9 (32) سورة التوبة.