الأصوات والمساجد
بنيت المساجد لعبادة الله – تعالى – مع ما يحصل فيها من اجتماع الناس، وتآلف قلوبهم، ومصافحة بعضهم بعضاً، وحل المشاكل في أمور الحياة المختلفة .. لكن ما نراه اليوم من مخالفة كثير من الناس لهذه الأهداف العالية، والتي قال الله فيها: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (سورة النور:36) لأمر يحزن القلوب، حيث نرى ونسمع ارتفاع الأصوات والتشويش على المصلين … وهذا كله من البدع والمخالفات التي تحدث في عصرنا يقول الإمام ابن الحاج – رحمه الله -: ينبغي أن يمنع من يرفع صوته في المسجد في حال الخطبة وغيرها؛ لأن رفع الصوت في المسجد بدعة … وقال: ينبغي أن ينهى الذاكرون جماعة في المسجد قبل الصلاة أو بعده أو في غيرهما من الأوقات؛ لأنه مما يشوش بها، وفي الحديث لا ضرر، ولا ضرار1 فأي شيء كان فيه تشويش منع. ذكره القاسمي في (إصلاح المساجد).
ومن تلك الصور التي ترفع بها الأصوات:
1- إقامة حلقات للكلام والثرثرة في أمور الدنيا لدون سبب شرعي ينفع المسجد، وإنما لمجرد القيل والقال، وذكر الناس وغيبتهم، وهذا قد اشتمل على محرمات كثيرة ومنها الغيبة، إضافة إلى حرمة التشويش، والخروج عن أهداف المساجد.
2- وإذا اجتمع إلى ذلك الاتفاق على عقد بيع، أو جرد حسابات بين الناس في المسجد؛ كان الأمر أشد حرمة لقوله ﷺ في الحديث الذي يرويه أبو هريرة : من رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك2
3- إنشاد الضالة في المسجد: والضالة هي أي شيء يضيع على إنسان من مال، أو متاع، أو بطاقة، أو جواز سفر ونحوها … لأن المساجد لم تبن لهذا .. وإنما تنشد في أما كن الأسواق، والمحلات العامة، وأماكن الاجتماعات غير المساجد، وقد قال رسول الله ﷺ كما في تكملة حديث أبي هريرة السابق: من رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا وجدتها.. ثلاثاً.
4- ما يفعله بعض أهل الابتداع من إلقاء القصائد الغزلية، والموشحات المحرفة، أو إقامة الحفلات والأسمار التي تشتمل على غناء ورقص وغيرها .. كما يفعله بعض الصوفية، والذين يتخذون من المساجد أماكن لجعلها صالات للأفراح، أو ما يسمى الاحتفال بعيد الميلاد الذي كله بدعة وضلالة، لكن الكلام الهادئ الذي لا إزعاج فيه أو بأن لا يكون في المسجد مصلون فإن ذلك الكلام لا بأس به قال النووي – رحمه الله -: “يجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد، وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات، وإن حصل ما فيه ضحك ونحوه ما دام مباحًا لحديث جابر بن سمرة : كان رسول الله ﷺ لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، قال: وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون، ويبتسم رواه مسلم (ذكر ذلك سيد سابق في فقه السنة).
ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها عدم رفع الصوت حتى بالقراءة والذكر إذا كان بحضرة القارئ من يصلي، لأن المصلي يحتاج إلى التدبر والخشوع، والقارئ يشغله برفع صوته؛ ولهذا يقول الرسول ﷺ أيها الناس!! كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة رواه أحمد، وسنده صحيح، وسبب ورود الحديث هو أن النبي ﷺ خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة.
أخي المسلم الكريم – رعاك الله -: كما سبق أن عرفت أن رفع الأصوات والتشويش على الناس من الأمور الممنوعة شرعاً، ولا بد من احترام المساجد، ورفعها عن الأمور المنافية لآدابها كالصخب والصياح .. ونخلص إلى أن الأصوات في المساجد تنقسم إلى أقسام عدة:
1- القراءة والذكر: لا يجوز التشويش على المصلين بالقراءة، والأصل في الذكر الإسرار إلا التلبية كما ذكر ذلك عن بعض العلماء، وحتى إذا كان الناس كلهم يقرؤون فلا يرفع بعضهم على بعض؛ فكيف لو كان الواحد منهم يصلي صلاة سرية، والآخر يرفع .. لا شك أن هذا أعظم في التشويش.
2- رفع الصوت بسبب مشاكل بين المتخاصمين فهذا من الأمور الممنوعة.
3- إنشاد الضالة، وهذا لا يجوز.
4- التحدث في المسجد مع رفع الأصوات بشدة لا يجوز؛ لأن ذلك يذهب قداسة المسجد.
5- ما يفعله المبتدعة من الأذكار المبتدعة، وإقامة الرقص أو الغناء في المساجد؛ فهذا محرم، وإذا كان الكلام لأمر هام، أو لحاجة ماسة في المسجد، أو كلاماً في أمور الدنيا بأصوات معتدلة؛ فإن ذلك لا حرج فيه لما سبق من حديث جابر بن سمرة … والله أعلم.
6- الكلام الهادئ الذي لا يؤذي مصلياً ولا قارئاً، أو الكلام المرتفع بعدم حضرة مصلين؛ بشرط ألا يذهب بهيبة المسجد.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.