الولاء والبراء

الولاء والبراء

الولاء والبراء

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (102) سورة آل عمران. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (70) (71) سورة الأحزاب، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون:

إن من رحمة الله – سبحانه وتعالى- وعظيم لطفه بخلقه: أن جعل الرسالة المحمدية هي خاتمة الرسالات السماوية، وجعلها كاملة صافية نقية بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وكتب -تبارك اسمه وتعالى جده- السعادة في الدارين على هدي نبي الله – صلى الله عليه وسلم – وسماهم أولياء الله وحزبه.

وكتب – عز وجل – الشقاء والذلة على من حاد عن هذه الشريعة، وتنكب الصراط المستقيم؛ وسماهم أولياء الشيطان وجنده. وأصل هذه الرسالة الخالدة: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هذه الكلمة العظيمة كما يقول ابن القيم – رحمه الله -: التي لأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجار، وأسست الملة، ولأجلها جردت السيوف للجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، وحقيقة هذه الكلمة: مركبة من معرفة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – علماً، والتصديق به عقداً، والإقرار به نطقاً، والانقياد له محبة وخضوعاً، والعمل به باطناً وظاهراً، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وكماله: في الحب في الله، والبغض في الله والعطاء لله، والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده.

والطريق إليه: تجريد متابعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ظاهراً وباطناً، وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله.1

هذه الكلمة العظيمة بكل مفاهيمها ومقتضياتها قد غابت عن حياة الناس اليوم إلا من رحم الله، ومن هذه المفاهيم بل من أهمها مفهوم (الولاء والبراء).

ولئن كان هذا المفهوم العقدي الهام قد غاب اليوم عن واقع حياة المسلمين – إلا من رحم ربك- فإن ذلك لا يغير من حقيقته الناصعة شيئاً.

ذلك أن الولاء والبراء: هما الصورة الفاعلة للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة: وهو مفهوم ضخم في حس المسلم بمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة. ولن تتحقق كلمة التوحيد في الأرض إلا بتحقيق الولاء لمن يستحق الولاء، والبراء ممن يستحق البراء.

ويحسب بعض الناس أن هذا المفهوم العقدي الكبير يدرج ضمن القضايا الجزئية أو الثانوية! ولكن حقيقة الأمر تعكس ذلك.

إنها قضية إيمان وكفر كما قال –تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} سورة التوبة (23)-(24).

وقال – عز وجل – : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة.

وقد قيل: إنه ليس في كتاب الله – تعالى- حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم – أي الولاء والبراء- بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده.

ولقد قامت الأمة الإسلامية بقيادة البشرية دهراً طويلاً حيث نشرت هذه العقيدة الغراء في ربوع المعمورة، وأخرجت الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. ثم ما الذي حدث؟

لقد تقهقرت هذه الأمة إلى الوراء بعد أن تركت الجهاد وأخذت بأذناب البقر.

ولقد تراجعت بعد أن زهدت في الجهاد هو ذروة سنام الإسلام.. وتبعت الأمم الأخرى بعد أن ركنت إلى حياة الدعة والرفاهية والبذخ والمجون.

ولقد تبلبلت أفكارها بعد أن خلطت نبعها الصافي بالفلسفات الجاهلية والهرطقة البشرية.

ودخلت هذه الأمة في طاعة الكافرين واطمأنت إليهم، وطلبت صلاح دنياها بذهاب دينها فخسرت الدنيا والآخرة.

وظهرت موالاة الكفار في المسلمين أمور منها:

1. محبة الكفار وتعظيمهم، ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض، ورميها بالقصور والجمود، وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري.

2. ومنها: استيراد القوانين الكافرة – شرقية كانت أم غربية- وإحلالها محل شريعة الله الغراء، وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بالتعصب والرجعية والتخلف.

3. ومنها: التشكيك في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والطعن في دواوينها الكريمة، والحط من قدر أولئك الرجال والأعلام الذين خدموا السنة حتى وصلت إلينا.

4. قيام دعوات جاهلية جديدة تعتبر ردة جديدة في حياة المسلمين مثل: دعوة القومية الطورانية، والقومية العربية، والقومية الهندية.. و.. إلخ.

5. إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم، وبث سموم الغزو الفكري في المناهج والوسائل الإعلامية بكل أصنافها.

وأمام هذه الصور وغيرها من الصور الكثيرة، تنشأ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات صادقة وافية يدعمها الدليل من الكتاب والسنة، والاسترشاد بآراء العلماء الأعلام ومن هذه الأسئلة:

لمن ينتمي المسلم؟ ولمن يكون ولاؤه؟ وممن يكون براؤه، وما حكم تولي الكفار ونصرتهم؟ وما حكم الإسلام في المذاهب الفكرية التي يروِّج لها المغفلون أو الحاقدون من أبناء أمتنا، وممن ينطقون بألسنتنا؟ كيف ينبغي أن تكون صورة الولاء للمسلمين الذين يضطهدون اليوم وغير اليوم في مشارق الأرض ومغاربها، حيث تكالبت عليهم قوى الشر والكفر؟

ما هو طريق الخلاص بعد ما تقبل المسلمون لباس العبودية العقلية الذي خلعته عليهم المدينة الأجنبية؟

والذي يستثير هذه الأسئلة وغيرها هو غياب المفهوم الصحيح لكلمة التوحيد، وبُعدها من واقع المسلمين اليوم، حيث مسخت مفاهيمها حتى صار من يقر بتوحيد الربوبية فقط دون توحيد الألوهية يعتبر موحداً عند كثير من الناس!! أما كون لا إله إلا الله ولاء وبراء، أما كونها توحيد أولوهية وعبادة: فهذه معانٍ لا تخطر على أذهاب الكثير إلا من رحم الله.

ورحم الله الإمام الداعية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حين قال: "إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحَّد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين كما قال –تعالى- في سورة المجادلة:

{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.2

أيها المسلمون: إن الولاء هو النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً، كما قال -تعالى-: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (257) سورة البقرة. وهذا المعنى لا يجوز أن يكون إلا للمسلمين فقط دون غيرهم، وأما البراء: فهو البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: الولاية ضد العداوة. وأصل الولاية: المحبة والتقرب وأصل العداوة: البغض والبعد.. والولي: القريب يقال: هذا يلي هذا. أي يقرب منه.. ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم -: (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)3 أي لأقرب رجل إلى الميت. فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معادياً له كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} (1) سورة الممتحنة. فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه؛ ولهذا جاء في الحديث: (من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)4.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه الغفورُ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق والأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

إن عقيدة الولاء والبراء ليست من العقائد التي أمر بها ديننا الإسلامي فقط، بل هي عقيدة كل الأنبياء والرسل: فهذا نوح -عليه السلام- عاتبه المولى عندما طلب أن يأخذ ابنه معه، فقال: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} (45)-(47) سورة هود.

وقال -تعالى- على لسان إبراهيم عليه السلام: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} (26) (27) سورة الزخرف.

وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} سورة الممتحنة (4).

وهكذا جسَّد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه – رضي الله عنهم- هذه العقيدة، فها هو أبا عبيدة يقتل أباه الكافر في غزوة بدر، وكذلك أبوبكر يحاول قتل ابنه وغيرهما كثير، ولما كتب حاطب ابن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم بمسير النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد عمر قتله ولم يشفع له إلا كونه من أهل بدر.

أيها المسلمون:

نختم هذه الخطبة بذكر صور موالاة الكفار حتى نجتنبها ولا نقع فيها:

فمن صور موالاة الكفار ما يلي:

1. الرضا بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.

2. التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء، أو الدخول في دينهم، وقد نهى الله عن ذلك فقال: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} (28) سورة آل عمران. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (51) سورة المائدة.

3. الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً} (51) سورة النساء.

4. مودتهم ومحبتهم: وقد نهى الله عنها بقوله: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (22) سورة المجادلة.

5. الركون إليهم: قال تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} (113) سورة هود. قال قتادة معنى الآية: لا توادُّوهم ولا تطيعوهم. وقال ابن جريج: لا تميلوا إليهم. وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صُحبتهم كفر أو معصية إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة.5

6. مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين قال تعالى:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (9) سورة القلم. والمداهنة والمجاملة والمداراة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من المسلمين اليوم والله المستعان.

7. اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} (118) سورة آل عمران.

8.طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} (149) سورة آل عمران. وقال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (121) سورة الأنعام.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدَّمتم عليه غيره فهذه هو الشرك.6

9.مجالستهم والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله، قال تعالى في النهي عن مجالستهم: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (140) سورة النساء..

10.ومن صور موالاة الكفار توليتهم أمراً من أمور المسلمين كالإمارة والكتابة وغيرها والتولية شقيقة الولاية، لذلك فتوليتهم نوعٌ من تولِّيهم وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم. ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم. والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً.

11.استئمانهم وقد خونهم الله، قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (75) سورة آل عمران.

12.البشاشة لهم والطلاقة وانشراح الصدر لهم وإكرامهم وتقريبهم.

13.الرضا بأعمالهم والتشبه بهم والتزيِّي بزيهم.

14.معاونتهم على ظلمهم، ونصرتهم.

15.مناصحتهم والثناء عليهم ونشر فضائلهم.

16.تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم.

17.السكنى معهم في ديارهم وتكثير سوادهم.

18.التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم والتجسس من أجلهم ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم والقتال في صفهم.

19.من هرب من دار الإسلام إلى دار الحرب بغضاً للمسلمين وحباً للكافرين.

20.من انخرط في الأحزاب العلمانية والإلحادية كالشيوعية والاشتراكية والقومية والماسونية وبذل لها الولاء والحب والنصرة. 7

هذه بعض صور موالاة أعداء الله – عز وجل – اللهم اجعلنا ممن اتخذك ورسولك والمؤمنين أولياء يا رب العالمين، واجعلنا ممن تبرأ من الكفر وأهله يا قوي يا عزيز يا متين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 



1– الولاء والبراء في الإسلام للقحطاني نقلاً عن ابن القيم في الفوائد ص143.

2– الولاء والبراء نقلاً عن مجموعة التوحيد ص19.

3– متفق عليه.

4– الفرقان لابن تيمية، والحديث أخرجه البخاري بلفظ من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب….

5– تفسير القرطبي 9/108.

6– تفسير ابن كثير (3/322).

7– ذكر هذه المظاهر الشيخ محمد بن سعيد القحطاني في كتابه القيم الولاء والبراء في الإسلام وهو بدوره بنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيرهما.