بعض الأحداث التي وقعت في شهر رجب

بعض الأحداث التي وقعت في شهر رجب

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.. أما بعد:

فإن المتتبع للتاريخ الإسلامي؛ يجد حوادث كثيرة حدثت في شهر رجب، من هذا الأحداث ما يلي:

الهجرة الأولى إلى الحبشة:

في السنة الخامسة: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لمـا اشتد عليهم العذاب والأذى وقال: "إن فيها رجلاً لا يظلم الناس عنده"، وكانت الحبشة متجر قريش وكان أهل هذه الهجرة الأولى: اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان أول من هاجر إليها: عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وستر قوم إسلامهم.

وممن خرج: الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو سلمة وامرأته -رضي الله عنهم أجمعين-، خرجوا متسللين سراً، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار فحملوهم إلى الحبشة، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر فلم يدركوا منهم أحداً، وكان خروجهم في رجب فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان، ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم: أن قريشاً صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفوا عنه1.

سرية عبد الله بن جحش:

كانت هذه السرية سبباً لغزوة بدر العظمى؛ وذلك يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير.

قال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب، مقفلة من بدر الأولى، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، وهم أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن بن حرثان -حليف بني أسد بن خزيمة- وعتبة بن غزوان -حليف بني نوفل- وسعد بن أبي وقاص الزهري وعامر بن ربيعة الوائلي -حليف بني عدي- وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع التميمي -حليف بني عدي أيضاً- وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث -حليف بني عدي أيضاً- وسهل بن بيضاء الفهري فهؤلاء سبعة ثامنهم أميرهم عبد الله بن جحش -رضي الله عنه- وقال يونس عن ابن إسحاق كانوا ثمانية وأميرهم التاسع فالله أعلم.

قال ابن إسحاق: وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره من أصحابه أحداً، فلما سار بهم يومين فتح الكتاب فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قال سمعاً وطاعة وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني أن أستكره أحداً منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد، وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع، يقال له: بحران، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه فتخلفا في طلبه، ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة، فمرت عير قريش فيها عمرو بن الحضرمي- قال ابن هشام: واسم الحضرمي عبد الله بن عباد الصدف- وعثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخوه نوفل، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريباً منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقال عمار: لا بأس عليكم منهم، وتشاور الصحابة فيهم وذلك في آخر يوم من رجب، فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمر بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما غنمنا الخمس فعزله، وقسم الباقي بين أصحابه؛ وذلك قبل أن ينزل الخمس قال: لما نزلنا الخمس نزل كما قسمه عبد الله بن جحش كما قاله ابن إسحاق، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أسقط في أيدي القوم وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال. فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان وقالت يهود تفائل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله عمرو: عمرت الحرب والحضرمي، حضرت الحرب وواقد بن عبد الله، وقدت الحرب فجعل الله ذلك عليهم لا لهم، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}[البقرة: 217]. أي: إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم، والفتنة أكبر من القتل. أي: قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه فذلك أكبر عند الله من القتل، ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين ولهذا قال الله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ}[البقرة: 217].   

قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق؛ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين، وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم. فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافراً. قال ابن إسحاق: فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطى فيها أجر المجاهدين، فأنزل الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[البقرة: 218]. فوصفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء.

قال ابن إسحاق: والحديث في ذلك عن الزهري ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وهكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري، وكذا روى شعيب عن الزهري عن عروة نحواً من هذا وفيه وكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين، وقال عبد الملك بن هشام: هو أول قتيل قتله المسلمون وهذه أول غنيمة غنمها المسلمون وعثمان والحكم بن كيسان أول من أسره المسلمون2.

وفد الأنصار في رجب:

وقال الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر أنا إسرائيل عن عثمان -يعني ابن المغيرة- عن سالم ابن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه فان قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل فأتاه رجل من همدان فقال: ممن أنت؟ قال الرجل: من همدان، قال: فهل عند قومك من منعة؟ قال: نعم، ثم إن الرجل خشي أن يخفره قومه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: آتيهم فأخبرهم، ثم آتيك من عام قابل، قال: نعم، فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب. وقد رواه أهل السنن الأربعة من طرق عن إسرائيل به وقال الترمذي حسن صحيح3.

 تحويل القبلة قبل وقعة بدر:

وقال بعضهم:كان ذلك في رجب من سنة ثنتين، وبه قال قتادة وزيد بن أسلم، وهو رواية عن محمد بن إسحاق وقد روى أحمد عن ابن عباس ما يدل على ذلك، وهو ظاهر حديث البراء بن عازب كما سيأتي والله أعلم. وقيل في شعبان منها، قال ابن إسحاق: بعد غزوة عبد الله بن جحش، ويقال صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وحكى هذا القول ابن جرير من طريق السدي فسنده عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة. قال الجمهور الأعظم إنما صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة، ثم حكى عن محمد بن سعد عن الواقدي أنها حولت يوم الثلاثاء النصف من شعبان، وفي هذا التحديد نظر والله أعلم. وقد قال البخاري حدثنا أبو نعيم، سمع زهيراً، عن أبي إسحاق، عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[البقرة: 143] رواه مسلم من وجه آخر. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا الحسن بن عطية حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قال: فوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} فأنزل الله تعالى: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وحاصل الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه أن يجمع بينهما فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة واستدبر الكعبة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وهذا يقتضي أن يكون ذلك إلى رجب من السنة الثانية والله أعلم4.

غزوة تبوك:

قال ابن إسحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب يعني من سنة تسع ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم5.

وكانت غزوة تبوك: في غرة الشهر سنة (9هـ). وتسمى غزوة العُسرة، فيها جاء أبو بكر بماله كله (أربعة آلاف درهم).. وجاء عمر بنصف ماله.. وجهز عثمان، -رضي الله عنهم جميعاً- الجيش، فكان الأكثر نفقة، وفيه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضرّ عثمانَ ما عمل بعد اليوم" مرتين6. وأتت النساء أيضاً بصدقاتهن. وجاء البكّاءون يستحملون الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال: {لا أجد ما أحملكم عليه}[التوبة: 92]، وقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثون ألفاً، وعشرة آلاف فرس، واثنا عشر ألف بعير.

وتخلف المنافقون.. كما تخلف نفر من المسلمين، منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، أبو خيثمة، ومرارة بن الربيع، غير أن أبا خيثمة أدرك الجيش بتبوك.

وفاة النجاشي:

قال الواقدي: وفي رجب منها مات النجاشي صاحب الحبشة ونعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس7.

وفد مضر:

قال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: كان أول من وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضر أربعمائة من مزينة وذاك في رجب سنة خمس فجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة في دارهم، وقال أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم فرجعوا إلى بلادهم8.

 

 

إرسال بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال الواقدي: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر في رجب سنة خمس ضمام بن ثعلبة، وكان جلداً أشعر ذا عذارتين وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فأغلظ في المسألة سأله عمن أرسله وبما أرسله وسأله عن شرائع الإسلام فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كله فرجع إلى قومه مسلماً قد خلع الأنداد فأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً وبنوا المساجد وأذنوا بالصلاة9.

فتح دمشق (14هـ- 635م) صُلحاً:

كان أبو عبيدة وخالد، -رضي الله عنهما-، قد حاصرا المدينة منذ ربيع الآخر (14هـ).. وصالح أهلها على أنصاف كنائسهم، ومنازلهم، وعلى رؤوسهم، وأن لا يُمنعوا من أعيادهم.

معركة اليرموك:

قال خليفة بن خياط: قال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة، قال ابن عساكر وهذا هو المحفوظ، وأما الحافظ ابن عساكر رحمه الله فإنه نقل عن يزيد بن أبي عبيدة والوليد وابن لهيعة والليث وأبي معشر أنها كانت في سنة خمسة عشرة بعد فتح دمشق. وقال محمد بن إسحاق: كانت في رجب سنة خمس عشرة. وقال خليفة بن خياط: قال ابن الكلبي: كانت وقعة اليرموك يوم الاثنين لخمس مضين من رجب سنة خمس عشرة. قال ابن عساكر وهذا هو المحفوظ وأما ما قاله سيف من أنها قبل فتح دمشق سنة ثلاث عشرة فلم يتابع عليه10.

مسير خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى العراق:

قال محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان: إن أبا بكر كتب إلى خالد أن يسير إلى العراق، فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من السواد يقال لها بانقيا وبارسوما، وصاحبها حابان فصالحه أهلها. قلت: وقد قتل منهم المسلمون قبل الصلح خلقاً كثيراً، وكان الصلح على ألف درهم وقيل دينار في رجب، وكان الذي صالحه بصبهري بن صلوبا، ويقال صلوبا بن بصبهري، فقبل منهم خالد وكتب لهم كتاباً، ثم أقبل حتى نزل الحيرة، فخرج إليه أشرافها مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي، وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر. فقال لهم خالد: أدعوكم إلى الله وإلى الإسلام فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة؛ جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم. فقال له قبيصة: مالنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيكم الجزية. فقال لهم خالد: تباً لكم إن الكفر فلاة مضلة فأحمق العرب من سلكها11.

استرداد بيت المقدس:

27 من رجب  583هـ = 2 من أكتوبر 1187م: استرداد المسلمين لبيت المقدس بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي حيث دخل القدس الشريف، وأدى صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك بعد حوالي 88 عامًا من الاحتلال الصليبي لها. وكان دخول صلاح الدين للقدس بعد انتصاره الباهر في حطين. ولم يفعل القائد المظفر بالصليبيين عند دخوله القدس ما فعل الصليبيون بالمسلمين من قتل ودموية بشعة أثارت اشمئزاز العالم حتى الآن، بل عفا عنهم، وأعطاهم الأمان، ثم الحرية.

وفاة الإمام ابن القيم رحمه الله:

في ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء؛ توفي الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي -إمام الجوزية وابن قيمها- وصلي عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير -رحمه الله-.

ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمع الحديث واشتغل بالعلم، وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علماً جماً مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونهاراً، وكثرة الابتهال. وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد أحداً ولايؤذيه، ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد12.

هذه بعض الحوادث التي حدثت في هذا الشهر وليس المراد الاستقصاء وإنما التذكير والإشارة وإلا فالحوادث كثيرة والحمد لله رب العالمين.


1 عيون الأثر (1/ 152).

2 البداية والنهاية لابن كثير (3/248-249).

3 البداية والنهاية (3/146).

4 البداية والنهاية (3/252-253).

5 السيرة النبوية (5/ 195).

6 رواه الترمذي (3701)، وحسنه الألباني.

7 البداية والنهاية (5/39).

8 الطبقات الكبرى لابن سعد (1/291).

9 الطبقات الكبرى لابن سعد (1/299).

10 البداية والنهاية لابن كثير (7/4).

11 البداية والنهاية (6/343).

12 البداية والنهاية (14/234).