شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة

شد الرحال إلى غير المساجد الثلاث

شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من البدع المحدثة في الدين، شد الرحال إلى مساجد غير المساجد التي نصت الشريعة على جواز شد الرحال إليها، ويكون المنكر أعظم إذا كانت فيها أضرحة وقبور، ويعتقد أن الصلاة في هذه المساجد أفضل؛ بسبب بركة صاحب الضريح أو القبر.

فشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة التي هي المسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد الأقصى لا يجوز والدليل على ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومسجد الأقصى)1.

فالمساجد بعد المساجد الثلاثة متماثلة، فلا معنى للرحلة إلى مسجد آخر.

قال الشيخ علي محفوظ: ("لا تُشَدُّ الرحالُ"؛ على صيغة المجهول، نفي بمعنى النهي، أي لا تشدوا الرحال، وهو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم شرعاً أن يقصد بالسفر إلا هذه البقاع؛ لما اختصت به من المزايا التي شرفها الله تعالى بها).

وقال: (ومن الحديث يستفاد فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؛ لأن المسجد الحرام قبلة الناس، وإليه حجهم، ومسجد الرسول أسس على التقوى، والمسجد الأقصى كان قبلة الأمم السالفة).

وقال: (وصفوة القول: أن السفر إلى أي مسجد غير هذه الثلاثة للصلاة فيه منهي عنه، أما هذه الثلاثة فلا؛ لما لها من المزايا، وإن من نذر إتيان المساجد الثلاثة؛ لزمه…، أما إن نذر إتيان غيرها لصلاة أو اعتكاف لم يلزمه؛ لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته مثلاً في أي مسجد كان، وهو كالمجمع عليه على ما قال الإمام النووي)2.

وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في "حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-"(صـ 113): (ومن البدع قصد المساجد التي بمكة وما حولها غير المسجد الحرام؛ كالمسجد الذي تحت "الصفا"، وما في سفح "أبي قبيس"، ومسجد المولد، ونحو ذلك من المساجد التي بُنيت على آثار النبي3 -صلى الله عليه وسلم-).

وقال: (ومن البدع قصد قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسفر، والسنة قصد المسجد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد…" الحديث. فإذا وصل إليه، وصلى التحية؛ زار قبره -صلى الله عليه وسلم-)4.

وقال: (والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط -كما يظن كثيرون- بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه، سواء كان مسجداً، أو قبراً، أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال في حديث له: فلقيتُ بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلتُ: من الطور. فقال: لو أدركتُك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تُعمَلُ المطيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد…" الحديث5. فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم يُنقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما)6.

ولا يدخل في النهي شد الرحال للسفر المباح، ولو كان في هذا السفر المباح أعمال يتقرب بها إلى الله؛ كصلة الرحم في بلدة معينة، أو طلب علم.

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويلهمنا رشدنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


1 – متفق عليه.

2 – راجع: الإبداع (صـ 204).

3 – راجع: مجموع الرسائل الكبرى (2/388-389)، وتفسير سورة الإخلاص لابن تيمية (صـ 179).

4 – حجة النبي صلى الله عليه وسلم (صـ 137).

5 – رواه النسائي، وأحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (7371).

6 – سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1/59).