دروس الحج 1

 

 

دروس- الحج الدرس الأول

الحمد لله الذي جعل حج بيته العتيق شرعة لأهل الإيمان، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى محمد بن عبد الله خير بني الإنسان، واختص هذه الأمة المجيدة بوراثة البيت المجيد إلى قيام الساعة في آخر الزمان، وجعل الكعبة المشرفة قياماً للناس، يقيمون وجوههم إليها من كل مكان وتجتمع قلوبهم عليها في كل زمان، وتكون شعاراً لأمة واحدة،تعبد رباً واحداً على اختلاف الزمان والمكان، ((إن هذه أمتكم أمة واحدةً وأنا ربكم فاعبدون)).

والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة، الذي بعث لإخراج خير أمة أخرجت للناس، جعلت الكعبة قبلتها، والحج والعمرة سياحتها، ولبيك اللهم لبيك نشيدها، والمسجد الحرام ملتقاها، يأتون إليه من كل فج عميق، حيث يذكرون الله بكل لسان، ويؤدون عبادة عظيمة بالأموال والأبدان والوجدان.

أما بعد:

فإن الحج من أفضل الطاعات عند رب العالمين، وأجل الأعمال الصالحة لمحو ذنوب المذنبين. فما هو الحج؟ وما منزلته في الدين، وما شروطه وأركانه؟ وما مفسداته. هذا ما سنذكره إن شاء  الله تعالى في هذه الدروس:

تعريف الحج:

قال في لسان العرب: الحج: القصد، حج إلينا فلان أي قدم.

والحج: قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضاً وسنة. وهو قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة، أو هو زيارة مكان مخصوص في زمن مخصوص بفعل مخصوص والزيارة هي:الذهاب، والمكان المخصوص: الكعبة وعرفة. والزمن المخصوص: هو أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة ، والعشر الأول من ذي الحجة. ولكل فعل زمن خاص، ، والفعل المخصوص: أن يأتي محرماً بنية الحج إلى أماكن معينة.

متى شرع الحج؟

فُرض الحج في  أواخر سنة تسع من الهجرة، وآية فرضه قوله تعالى: ((ولله على الناس حج البيت)) نزلت عام الوفود أواخر سنة تسع وهو رأي أكثر العلماء.

منزلة الحج في الدين وفضائله:

الحج من أفضل الأعمال فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور). رواه البخاري ومسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل أفلانجاهد؟ قال: لكن أفضل من الجهاد حج مبرور). رواه البخاري.

ولقد بين النبي   أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله   : (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). رواه البخاري ومسلم.

إن الحاج إن حج ولم يرفث ولم يفسق تطهَّر من ذنوبه وآثامه فيرجع كيوم ولدته أمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله   يقول: (مَن حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). رواه البخاري ومسلم.

فهنيئاً للحجاج مغفرة الذنوب، إنهم وفد الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : (الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم). رواه النسائي وابن ماجه وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : (تابعوابين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة). رواه الترمذي.

حكم الحج:

اتفق العلماء على فرضية الحج مرة في العمر بدليل الكتاب والسنة. أما الكتاب فقول الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين)آل عمران97.

وأما السنة فقول النبي  : (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان). رواه البخاري ومسلم.

والدليل على فرضية الحج مرة واحدة في العمر هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله   فقال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً، فقال النبي :لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم)1.

وقد يجب الحج أكثر من مرة لعارض! كنذر كأن يقول لله علي حجة. وقد يحرم الحج كالحج بمال حرام، وقد يكره كالحج بلا إذن ممن يجب استئذانه. كأحد أبويه محتاج إلى خدمته،وكالدائن الغريم لمدين لا مال له يقضي به، وكالكفيل لصالح الدائن. إلا بالإذن.

وهنا مسألة يتكلم عنها الفقهاء كثيراً، وهي: هل وجوب الحج على الفور أم على التراخي؟ وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمنهم من قال بالوجوب على الفور، وهم أصحاب المذاهب الثلاثة الحنابلة والحنفية المالكية، واستدلوا بأدلة قوية منها:- قوله تعالى: ((ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً)) وحديث: (حجوا قبل  أن لا تحجوا). رواه الحاكم وحديث: (تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له). رواه أحمد. وحديث: (من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً). رواه أحمد ورواية الترمذي: (من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً؛ وذلك لأن الله قال في كتابه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً).(آل عمران:97)

وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان جدة (أي سعة من المال). ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين).

وقال الشافعية وأحمد والحنفية: بوجوب الحج على التراخي، قالوا: ويجوز أن يؤخره من سنة إلى سنة، لأن فريضة الحج نزلت على المشهور عندهم سنة ست، فأخر النبي  إلى سنة عشر من غير عذر، والذي يترجح والله أعلم الرأي الأول لدلالة الأحاديث السابقة وإن كان في بعضها ضعفٌ. ولسنا بصدد ذكر أدلة الفريقين والرد عليها. وإنما ذكرنا هذه المسألة بشيء من الاختصار؛ لأن المقال لا يسع ذلك.

حكم من أنكر فرضية الحج:

من أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد عن الإسلام إلا أن يكون جاهلاً وهو ممن يمكن جهله بهذا الحكم كحديث عهد بإسلام، وناشئ في بادية بعيده لا يعرف من أحكام الإسلام شيئاً، فهذا يُعذر بجهله ويُعرَّف، ويُبين له الحكم، فإن أصر على إنكاره حُكم بردته.

وأما من تركه متهاوناً مع اعترافه بفرضيته فهذا لا يكفر، ولكنه على خطر عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بكفره

شروط الحج:

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأما شروط وجوب الحج والعمرة فخمسة مجموعة في قول الناظم: 

الحج والعمرة واجبان  في العمر مرة بلا توان
  بشرط إسلام كذا حرية  عقل بلوغ قدرة جلية

فيشترط لوجوبه:

أولاً: الإسلام فغير المسلم لا يجب عليه الحج، بل ولا يصح منه لو حج، بل ولا يجوز له دخوله مكة لقوله تعالى: ((إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)التوبة27).

فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره دخول مكة، ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم لقوله تعالى: (إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين…)(المدثر39-45).

ثانياً: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً.

ثالثاً: البلوغ: فمن كان دون البلوغ فإنه لا يجب عليه، لكن لو حج فإن حجه صحيح، ولكن لا يُجزئه عن حجة الإسلام لقول النبي   للمرأة التي رفعت إليه صبياً وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجره)2. لكنه لا يُجزئه عن حجة الإسلام، لأنه لم يُوجَّه إليه الأمر بها. حتى يجزئه عنها، ولا يتوجه الأمر إليه إلا بعد البلوغ.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وبهذه المناسبة أحب أن أقول: إنه في مثل المواسم التي يكثر فيها الزحام ويشق فيها الإحرام للصغار ومراعاة إتمام مناسكهم، الأولى ألا يحرموا بحج ولا عمرة؛ لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم،وربما شُغلوا عن إتمام مناسكهم، فيبقوا في حرج، وما دام الحج لم يجب عليهم، فإنهم في سعة من أمرهم.

رابعاً: الحرية: فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج، لأنه مملوك مشغول بسيده، فهو معذور بترك الحج لا يستطيع السبيلَ إليه.

خامساً: القدرة على الحج بالمال والبدن: فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يُنيب من يحج عنه لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة خثعمية سألت النبي   فقالت: يا رسول الله! إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال:(نعم، وذلك في حجة الوداع)3.

ففي قولها: أدركته فريضة الله على عباده في الحج، وإقرار النبي   إياها على ذلك دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه، فإنه يجب عليه أن يُقيم من يحج عنه. أما مَن كان قادراً ببدنه دون ماله، ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه، فإن الحج لا يجب عليه.

وألحق بعض العلماء بهذا الشرط أمن الطريق، بحيث يكون الطريق آمناً لا خوف فيه فإن عُدم هذا الشرط لم يجب عليه الحج.

وهنا شروط زائدة خاصة بالنساء:

أحدهما: أن يكون معها زوجها أو محرم لها، فإن لم يُوجد أحدهما لا يجب عليها الحج.

الثاني: ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة؛ لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج بقوله (لا تخرجوهن من بيوتهن) (الطلاق-1). ولأن الحج يمكن أداؤه في وقت آخر.

انتهى الدرس الأول ويليه الدرس الثاني إن شاء الله تعالى. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.


1 -أورده الألباني في الإرواء وقال:صحيح.

2 -رواه أبو داود صححه الألباني.

3 -رواه الترمذي وصححه الألباني.