وقفة مع العظماء!!

وقفة مع العظماء

وقفة مع العظماء!!

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، والصلاة والسلام على خير أنبيائه وأفضل رسله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

وقفة نقفها مع عظيم من عظماء الإسلام: هذا العظيم هو الخليفة الذي خاطب السحابة حينما مرت به ذاهبة إلى حيث شاء الله لها: "أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك"؛ لأنه كان يعلم أن غالب المعمورة يقع في ملكه. إنه الخليفة الراشد هارون الرشيد.

له مواقف بطولية كثيرة، ولكننا نقف مع موقف من تلك المواقف العظيمة، يذكر ابن كثير -رحمه الله- في كتابه الشهير بالبداية والنهاية: أنه في سنة سبع وثمانين ومائة جاء للرشيد كتاب من ملك الروم نقفور بنقض الهدنة التي كانت عقدت بين المسلمين وبين الملكة ريني ملكة الروم وصورة الكتاب: "من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيذق، فحملت إليك من أموالها أحمالا وذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فأردد ما حصل قبلك من أموالها وإلا فالسيف بيننا وبينك".

فلما قرأ الرشيد الكتاب استشاط غضباً حتى ما تمكن أحد أن ينظر إلى وجهه فضلاً أن يخاطبه، وتفرق جلساؤه من الخوف، واستعجم الرأي على الوزير، فدعا الرشيد بدواة، وكتب على ظهر كتابه: "بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام". ثم شخص من فوره وسار حتى نزل بباب هرقلة ففتحها واصطفى ابنة ملكها وغنم من الأموال شيئاً كثيراً، وخرب وأحرق، فطلب نقفور منه الموادعة على خراج يؤديه إليه في كل سنة فأجابه الرشيد إلى ذلك"1. فأي عزة هذه؟ وأي أمراء هؤلاء؟ لله درهم من أمراء..

وهذا ابن تيمية رحمه الله تعالى يقف في معركة شقحب بين المسلمين، فيحلف بالله إنهم لمنصورون! فيقولون له: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، ويخوض المسلمون معركتهم مع العدو فيخرجون منتصرين، وهذا يدل على أن العظماء يرون طريق النصر أمامهم فسيحاً وما ذاك إلا لثقتهم بالله تعالى، وهل دمرت الأمم وحطمت المعنويات إلا بسبب التشاؤم واليأس؟! والعياذ بالله.

وهكذا كان عظماء الإسلام على مر التاريخ لا يحجزهم عن تنفيذ ما يريدون لوم صاحب ولا تهديد عدو، إذا كان ما يقومون به ابتغاء مرضات الله ووفق شرعه.

نسأل الله بأسمائه الحسنى عزاً ونصراً للإسلام والمسلمين، اللهم انصر عبادك المجاهدين في سبيلك في كل مكان. اللهم عليك بأعداء الدين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


1 ينظر: البداية والنهاية(10/194).