الاستلقاء والنوم في المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعثه ربه رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الاستلقاء في المسجد من الأمور الجائزة لأن النبي ﷺ استلقى في المسجد فعن عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله ﷺ مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى1.
أما النوم في المسجد فإنه يجوز على أن يحافظ على حرمة المسجد، وآدابه، ولكن لا يتخذ ذلك عادة، ولا يصبح المسجد فندقاً بحجة الجواز.
ويجوز للمرأة أن تنام في المسجد، ولكن هذا إذا أُمنت الفتنة؛ كأنْ جُعل مكان خاص للنساء، أو خيمة خاصة للنساء، فلا يدخل عليهن الرجال، فقد ذكر البخاري – رحمه الله تعالى – باباً بعنوان “نوم المرأة في المسجد” وذكر حديث عائشة – رضي الله عنها – أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها… فجاءت إلى رسول الله ﷺ فأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش2.
أما نوم الرجال فأدلة ذلك كثيرة: فقد بوب البخاري في صحيح “باب نوم الرجال في المسجد” وأتى بحديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي ﷺ 3، وقد نام علي بن أبي طالب في المسجد، وأيقظه النبي ﷺ فعن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله ﷺ بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال: أين ابن عمك؟، قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يَقِل عندي، فقال رسول الله ﷺ لإنسان: انظر أين هو؟، فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب4 فيؤخذ منه جواز نوم الرجال في المسجد إذا أمن انكشاف العورة، ولم يكن هناك فتنة ولا مفسدة؛ فإن النوم في المسجد ليس حراماً ولا خطيئة.
والنبي ﷺ كان يعتكف“5” في العشر الأواخر من رمضان 6، وكان اعتكافه ﷺ في المسجد، ولا شك أنه يحتاج إلى النوم، وأهل الصفة كانوا ينامون في المسجد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “أما النوم أحياناً للمحتاج مثل: الغريب، والفقير الذي لا مسكن له؛ فجائز، وأما اتخاذه مبيتاً ومَقِيلاً فينهون عنه“7.
وقد ورد سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء باللمملكة العربية السعودية: ما هو حكم الذي يضع رجليه ويوجهها إلى القبلة في المسجد، وهل يجوز الأكل والنوم في المسجد؟ فأجابت اللجنة: “لا حرج على المسلم أن يمد رجليه أو رجله إلى القبلة سواء كان بالمسجد أم في غيره، ولا حرج عليه أن يأكل بالمسجد أو ينام به إذا احتاج إلى ذلك، وينبغي له أن يحافظ على نظافة المسجد، وإذا احتلم وهو نائم به أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة”8.
اللهم فقهنا في ديننا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله صحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
1 – متفق عليه.
2– هو البيت الصغير الضيق، انظر فتح الباري (7/186) ط: دار الريان للتراث. والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/407) ط: دار الفكر.
3– أخرجه البخاري – الفتح- (404).
4 – متفق عليه.
5– الاعتكاف لغة: الحبس والمكث واللزوم. وفي الشرع: المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة.
6– أخرجه مسلم (2/830) رقم (1171) عن ابن عمر ورقم (1172) عن عائشة.
7 – مجموع الفتاوى (22/200).
8 – فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم السؤال (5795).