صفات المؤذن

صفات المؤذن

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين, وأشهد أن محمداً عبده ورسله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

إن الأذان مسؤولية مهمة وجليلة ينبغي العناية بها والاهتمام باختيار من يصلح لها، فما كل من على وجه الأرض يصلح للأذان بل لا بد من أن تتوافر الصفات التي تؤهله للأذان، ونحن في هذا المبحث سنذكر هذه الصفات.

اعلم أخي الكريم: أن هناك صفات متفق عليها، وصفات مختلف فيها، فالصفات المتفق عليها هي كالتالي:

الصفة الأولى : الإسلام:

اتّفق الفقهاء على أن إسلام المؤذن شرط في صحة الأذان والإقامة، فلا يصح الأذان أو الإقامة من الكافر(1) وذلك لما يلي:

1-             أن الكافر ليس من أهل العبادات، والأذان والإقامة عبادتان مشروعتان(2) .

2-             لعدم قبول قوله في الديانات، فلا يقتدى بخبره(3).

3-             لأنه لا يعتقد الصلاة التي يعتبر الأذان دعاء لها، فإتيانه بذلك ضرب من الاستهزاء(4).

4-             لاشتراط النية في الأذان والإقامة، وهي لا تصحّ من كافر(5).

الصفة الثانية: التمييز:

المميز هو الذي بلغ سن التمييز، والتمييز أن يعرف الصغير مضاره ومنافعه. وقد اتفق الفقهاء على أن أذان وإقامة الصبي غير المميز لا يعتدّ بهما، فلا يصح منه أذان ولا إقامة(6).

وعلّلوا ذلك بما يلي:

1-     أن الأذان والإقامة مشروعان للإعلام، ولا يحصل الإعلام بقول الصبي غير المميّز، لأنه ممن لا يقبل خبره ولا روايته(7),

2-             لعدم أهليته للعبادة، فهو غير مخاطب بالصلاة والأذان للمكتوبات(8).

هذه هي الصفات المتفق عليها بين الفقهاء وهي الإسلام والتمييز فلا يصح أذان المؤذن إلا إذا توفرت فيه هذه الصفات المتفق عليها.

أما الصفات المختلف فيها فهي كما يلي:

1-     البلوغ: اتفق الفقهاء على أن من الصفات المطلوبة في المؤذن: البلوغ، واختلفوا في اشتراطه لصحة الأذان والإقامة على قولين(9):

القول الأول: أنه لا يشترط لصحة الأذان والإقامة البلوغ، فيصح أذان وإقامة الصبي المميز وهو مذهب الحنفية مع الكراهة في ظاهر الرواية، وقول للمالكية، والصحيح عند الشافعية والحنابلة(10). قال بعض الحنابلة:" الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية، ويعتمد فيه وقت الصلاة والصيام: لا يجوز أن يباشره صبي قولاً واحداً، ولا يسقط الفرض ولا يعتدّ به في مواقيت العبادات، وأمّا الأذان الذي يكون سنّة مؤكدة في مثل المساجد التي في المصر ونحو ذلك: فهذا فيه روايتان، والصحيح جوازه"(11).

أدلتهم على عدم اشتراط البلوغ:

حديث مالك بن الحويرث عندما قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-:"…فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم"(12). وجه الدلالة من هذا أنه لا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة، وهو واضح من سياق الحديث حيث قال:" فليؤذن لكم أحدكم وليؤمّكم أكبركم"(13). والمفرد المضاف يعم فيشمل الكبير والصغير على السواء(14).

وعن عبد الله بن أبي بكر ما رواه ابن المنذر بإسناده أنه قال:" كان عمومتي يأمروني أن أؤذن لهم وأنا غلام لم أحتلم، وأنس شاهد فلم ينكر ذلك"(15).

القول الثاني: عدم صحة أذان وإقامة الصبي المميز: وأدلتهم على ذلك ما يلي:

حديث عبد الله بن عباس –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:" ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم"(16).

وحديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:" الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.."(17). ووجه الدلالة: أن في الحديث الأول أمر بأن يكون الأذان لخيارنا والصبي المميز ليس من خيارنا، فلا يصح أذانه.

وفي الحديث الثاني وصف بأنه مؤتمن، أي أمين الناس على صلاتهم وصيامهم والصبي المميز لا يؤمن على هاتين الشعيرتين العظيمتين(18).

أما من المعقول:

*  فإن الأذان والإقامة مشروعان للإعلام، ولا يحصل الإعلام بقوله، لأنه ممن لا يقبل خبره وروايته(19).

*  أن ولاية الأذان ولاية على وسيلة أعظم القربات، وهو ليس من أهل الولايات.

*   أنه ليس له وازع شرعي فيحيل الوثوق بأمانته على الأوقات(20). لأنه ممن لا يحكم له بالعدالة(21).

*   أن فيه تغريراً، فإنه يخاف غلطه(22).

*   أن الأذان فرض كفاية وفعل الصبي نفل(23).

والراجح : هو القول الأول والقائل بصحة أذان الصبي المميز، من حيث الجملة ولكن  يراعي ما يلي:

1-             أن لا يكون أذانه هو الأذان الأول في المدينة أو القرية، الذي يعتمد عليه في معرفة وقت الصلاة والصيام.

2-             أن يعتمد في دخول الوقت على مكلف موثوق به(24).

وأسباب الترجيح هي :

1-   عدم صراحة الأحاديث التي استدلّ بها أصحاب القول الثاني، مع ضعف حديث :" ليؤن لكم خياركم…"

2-   أن القول بأنه لا يقبل خبره وروايته صحيح، فلذا اشترط اعتماده على غيره(25).

2– الذكورة: اتفق الفقهاء على أن الذي يتولّى الأذان للجماعات لا بدّ أن يكون من الذكور وأن المرأة لا تتولّى ذلك لجماعة الرجال، وكذلك الخنثى، ولا يوجد بينهم خلاف في ذلك(26)إلا وجهاً لبعض الشافعية أن لها أن تؤذن(27).  فإن أذّنت المرأة لجماعة من الرجال، فلا يصح أذانها، وفعلها محرّم عند جمهور الفقهاء، وقد صرّح بالتحريم المالكية, والشافعية، وهو الظاهر من قول الحنابلة(28). وأطلق عليه بعض فقهاء المالكية والحنابلة لفظ الكراهة مع عدم صحته(29). ويرى الحنفية أن أذانها يصحّ ويعتد به، مع الكراهة، وعلّلوا ذلك بحصول المقصود وهو الإعلام، ويستحب أن يُعاد(30).                                                                                                             

  3 العقل : اختلف الفقهاء في اشتراط العقل لصحة الأذان والإقامة، وعليه فهل يصح أذان وإقامة المجنون والسكران، أم لا؟ للفقهاء في هذا المسألة قولان:

القول الأول: أن العقل شرط في صحة الأذان والإقامة، فيشترط في المؤذن أن يكون عاقلاً، فلا يصح أذان وإقامة المجنون، والسكران، والمغمى عليه، ويجب إعادتهما لو وقعا منهم. وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية، وصحّح الشافعية، أذان من كان في أوّل النشوة( وهي أول السكر)(31).   واستدلوا بما يلي:

* أن من سُلِب عقله بجنون, أو سكر, أو إغماء فهو ليس من أهل العبادة في تلك الحال، لعدم تمييزه، فلا تصحّ منه(32).

* أن من كانت تلك حالته فكلامه لغو وهذيان فربما يشتبه على الناس، لعدم الاعتماد على أذانه والوثوق بقوله، فلا يقع به الإعلام(33).

* أن الأذان ذكر معظّم، وتأذين مسلوب العقل ترك لتعظيمه(34).

القول الثاني: أن العقل ليس شرطاً في صحة الأذان والإقامة، فلا يشترط في المؤذن أن يكون عاقلاً إنما يستحب، فيصح أذان وإقامة المجنون والسكران والمغمى عليه مع الكراهة، وهذا هو مذهب الحنفية.

واستحبّوا أن يعاد أذان غير العاقل، في ظاهر الرواية، وقيل: يجب(35).

واستدلّوا بما يلي: 

قالوا : بأن المقصود من الأذان والإقامة هو الإعلام، ويحصل بمثل أولئك، فإن المجنون والسكران، والمعتوه،رجل من الرجال، فإذا أذّن على الكيفية المشروعة قامت به الشعيرة؛ لأنه إذا سمعه غير العالم بحاله يعدّه مؤناً(36).

والراجح- والله أعلم-: القول الأول القائل باشتراط العقل في صحة الأذان، وبالتالي عدم صحة أذان المجنون, والسكران, والمغمى عليه، وذلك لقوة الأدلة وسلامتها من المعارضة(37).

4 العدالة: من الصفات المطلوبة في المؤذن أن يكون عدلاً، وهذا باتّفاق الفقهاء، واستدلوا لذلك بما يلي:

 حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم:" الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن…"(38).

وحديث أبي محذورة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :" أُمَناءُ المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون"(39).

وجه الدلالة من هذين الحديثين: أن في الحديثين وصف للمؤذن بالأمانة، والأمانة لا يؤدّيها إلّا التقيّ وهو العدل(40).

ومن المعقول: أن المؤذن مؤتمن على المواقيت فيرجع إليه في الصلاة, والصيام، فلا يؤمن أن يغرّ الناس بأذانه إن لم يكن عدلاً(41).

أن المؤذن يؤذّن على موضع عالٍ، فإذا لم يكن عدلاً لم يؤمن أن ينظر إلى عورات الناس(42). إلا أن هذا التعليل قد انتهى في الوقت الحاضر حيث يؤذن المؤذن من داخل المسجد عبر المكبرات الصوتية، والتي ترفع سماعاتها على المنائر العالية والرفيعة.

اللهم ارزقنا علماً ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك سميع الدعاء.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد,

والحمد لله رب العالمين،،،


1 – راجع: المغني (2/68).

2 – المصدر السابق.

3 – رد المختار(1/393).

4 – راجع: مغني المحتاج (1/137).

5 – كشاف القناع(1/280).

6 – مغني المحتاج(1/137).

7 – المغني (2/68).

8 – المبسوط (1/138).

9 -راجع: المجموع(3/107).

10 – راجع: كتاب أحكام الأذان والإقامة ص(254).

11 – راجع:" الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص(241).

12 – متفق عليه.

13 – فتح الباري(2/131).

14 – أحكام الأذان والإقامة ص (255).

15 – الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف(3/41).

16 – أبو داود، في كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة، وابن ماجه ، كتاب الأذان والسنة فيها، باب فضل الأذان وثواب المؤذنين.وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود رقم(118). وضعيف ابن ماجه رقم(154).

17 – أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، والترمذي، الصلاة،باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(486).

18 – أحكام الأذان والنداء والإقامة. ص(256).

19 – المغني(2/68).

20 – الإنصاف (1/394).

21 – مواهب الجليل للحطاب(1/435).

22 – المجموع (3/107).

23 – الإنصاف(1/394).

24 – أحكام الصبي في الفقه الإسلامي ص (292).

25 – راجع: أحكام الأذان والنداء والإقامة ص (257-258).

26 – المبسوط(1/138). بدائع الصنائع(1/150).

27 – المجموع(3/107).

28 – منح الجليل(1/120).

29 – كشاف القناع (1/279).

30 – بدائع الصنائع(1/150).

31 – المجموع(3/106).

32 – المصدر السابق.

33 – بدائع الصنائع (1/150).

34 – المصدر السابق.

35 – المصدر السابق.

36 – رد المحتار(1/394).

37 – أحكام الأذان والنداء والإقامة ص (262).

38 – أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، والترمذي، الصلاة،باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن.وصححه الألباني في صحيح أبي داود، رقم(486).

39 – أخرجه البيهقي في السنن الكبرى(2/199)، وحسنه الألباني في مختصر إرواء الغليل رقم(220).

40 – بدائع الصنائع(1/150).

41 – المغني(2/69).

42 – المصدر السابق.