كثرة سؤال الناس

كثرة سؤال الناس

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد:

إن الله -عز وجل- أمر عباده بسؤاله كل شيء، أمرهم أن يسألوه حاجاتهم كلها صغيرها وكبيرها، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع)1 وفي رواية: (ليسأل أحدكم ربه حاجته، حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع).

وبايع النبي أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً، فعن عوف بن مالك الأشجعي، قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: (ألا تبايعون رسول الله؟) وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله؟) فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله؟) قال: فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس، وتطيعوا) وأسرَّ كلمة خفية (ولا تسألوا الناس شيئاً) فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحداً يناوله إياه"2.

إخواني: إن كثيراً من الناس ترك سؤال الله، وصار يسأل الناس كل شيء، ويغضب منهم إذا منعوه أو حرموه، فأين التوجه إلى الله، والتوكل عليه، والرغبة فيما عنده؟ لماذا يريق المؤمن ماء وجه عند هذا وهذا؟

لماذا لا يتوجه العبد في حاجاته كلها إلى الله تعالى، الذي أمره أن يسأله، لأنه سبحانه هو الوهاب الذي بيده ملكوت كل شيء؟

وقد نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كثرة سؤال الناس، فعن المغيرة بن شعبة

عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).3

وقد أمرنا الله -عز وجل- بدعائه ووعدنا بالإجابة، في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(60) سورة غافر.

قال ابن كثير: "هذا من فضله، تبارك وتعالى، وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة، كما كان سفيان الثوري يقول: "يا من أحب عباده إليه من سأله، فأكثر سؤاله، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله، وليس كذلك غيرك يا رب"4.

وقد جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يسأل الله يغضب عليه).5

"لأن ترك السؤال تكبر واستغناء، وهذا لا يجوز للعبد.. وقال الطيبي: وذلك لأن الله يحب أن يسأل من فضله فمن لم يسأل الله يبغضه، والمبغوض مغضوب عليه لا محالة، انتهى"6 .

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

لا تطلـبن بُني آدم حـاجة         وسـل الـذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركـت سؤاله         وبُني آدم حين يُسـأل يغضبُ

 

أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا التوكل عليه في كل أمورنا كلها، ويغنينا به عن جميع خلقه، ويرزقنا سؤاله حاجاتنا كلها، إنه خير مسئول، وخير مأمول. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.  


1 – سنن الترمذي – (ج 12 / ص 47) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (ج 2 / ص 7-2251)

2 – صحيح مسلم – (ج 5 / ص 251)

3 – صحيح البخاري – (ج 18 / ص 371)صحيح مسلم – (ج 9 / ص 110 – 3237)

4 – تفسير ابن كثير – (ج 7 / ص 153)

5 – سنن الترمذي – (ج 11 / ص 223) وحسنه الألباني: في صحيح الترمذي (2686).

6 – تحفة الأحوذي – (ج 8 / ص 270)