بناء المسجد من أموال الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
إن فضيلة بناء المساجد عظيمة، وأجورها كبيرة، فقد ثبت عن النبي -صلى الله علي وسلم- أنه قال: من بنى مسجداً لله تعالى، قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة1.
وهذا مجال ينبغي أن ينافس فيه الموسرون، ويتسابق إليه الأغنياء حتى يحصِّلوا الثواب العظيم المترتب على هذا العمل. سواء كانوا حكومات أو أفراد أو مؤسسات أن تقوم ببناء المساجد والإنفاق عليها، وهذا من أهم الأمور التي ينبغي أن تعتني بها ولا تتساهل فيها.
أما بناء المساجد من أموال الزكاة فقد قال ابن قدامه -رحمه الله-: ولا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله -تعالى-2 من بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وسد البثوق3 وتكفين الموتى والتوسعة على الأضياف وأشباه ذلك من القُرب التي لم يذكرها الله -تعالى-، وقال أنس والحسن: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية، والأول أصح لقوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ…} التوبة: 60، و(إِنَّمَا) للحصر والإثبات، تثبت المذكور وتنفي ما عداه4.
وقال صاحب "الشرح الكبير": ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الأصناف إلا ما روي عن أنس و الحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية والصحيح الأول5.
ويقول الشيخ صالح الفوزان: ولا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف التي عينها الله من المشاريع الخيرية الأخرى؛ كبناء المساجد والمدارس؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ…} التوبة: 60، و (إِنَّمَا) تفيد الحصر، وتثبت الحكم لما بعدها، وتنفيه عما سواه، والمعنى: ليست الصدقات لغير هؤلاء، بل لهؤلاء خاصة، وإنما سمى الله الأصناف الثمانية إعلاماً منه أن الصدقات لا تخرج من هذه الأصناف إلى غيره6.
وصرف أموال الزكاة في غير الأوصاف الثمانية تعطيلاً للمقصد الأساسي من مقاصد الزكاة، ألا وهو سد خلل المجتمع، بتقريب الفوارق بين فئاته، وتحقيق الكفاية لأبنائه، والقضاء على ظاهرة الفقر، التي كانت ولم تزل الهاجس الخطير، الذي يتهدد الأمم والشعوب.
نسأل الله أن يوفقنا للخير، وأن يعيننا لكل ما يحبه الله ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله رب العالمين.
1 – رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
2 يقصد المذكورين في سورة التوبة وهم الأصناف الثمانية، قال تعالى: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))التوبة:60.
3 – البثوق: بموحدة ثم مثلثة مضمومتين، جمع بثق بفتح الباء وكسرها، وهي الثلمة والفتح في النهر، يقال: بثق السيل موضع كذا، أي خرقه ببثقة بثقا وبثقا وانبثق انفجر. راجع: تحرير ألفاظ التنبيه (1/329).
4 – المغني (2/252).
5 – الشرح الكبير (2/685).
6 – الملخص الفقهي (صـ 259).