من صفات اليهود في القرآن والسنة
الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، القائل في كتابه الكريم: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ1، والصلاة والسلام على البشير النذير، قائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
من المعلوم عند الناس أن اليهود هم شر خلق الله، فهم شر من وطأ الحصى لأنهم قتلة الأنبياء، ومفترو الكذب على الله، الخونة الجبناء، ناقضوا المواثيق، وفوق ذلك فقد حاولوا قتل النبي المصطفى – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – عدة مرات لكن الله – تبارك وتعالى – نجاه وحفظه.
والمتتبع للتأريخ يدرك غدرهم وحمقهم، وشدة عدائهم للمسلمين، ومن نظر في عصرنا الحاضر وما قاموا به من الإجرام ضد إخواننا في أرض غزة علم ذلك، فقد هدموا البيوت، وقتلوا النساء والأطفال، وسفكوا الدماء, وضربوا بالأسلحة المحرمة دولياً، وحطموا الكهرباء والممتلكات والمستشفيات – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هو حسبنا ونعم الوكيل -، وفيما يلي سوف نقوم بجمع ما تيسر جمعه من صفاتهم الواردة في القرآن والسنة؛ نسأل الله – تعالى – التوفيق والسداد:
· هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا: قال الله – تبارك وتعالى -: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ2 قال الإمام الطبري – رحمه الله تعالى -: “لتجدن يا محمد أشدَّ الناس عداوةً للذين صدَّقوك واتبعوك وصدّقوا بما جئتهم به من أهل الإسلام؛ اليهودَ والذين أشركوا”3، وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير الآية: “ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود، ومباهتة للحق، وغَمْط للناس، وتَنَقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيراً من الأنبياء، حتى هموا بقتل رسول الله ﷺ غير مرة، وسحروه، وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين – عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة -“4 وقال الرازي – رحمه الله -: “اعلم أنه – تعالى – لما ذكر من أحوال أهل الكتاب من اليهود والنصارى ما ذكره ذكر في هذه الآية أن اليهود في غاية العدواة مع المسلمين، ولذلك جعلهم قرناء للمشركين في شدة العداوة، بل نبه على أنهم أشد في العداوة من المشركين من جهة أنه قدم ذكرهم على ذكر المشركين، ولعمري أنهم كذلك”5، وقال الخازن – رحمه الله – في تفسيره: “اللام في قوله لتجدن لام القسم تقديره والله يا محمد إنك لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا بك وصدقوك؛ اليهود والذين أشركوا، ووصف الله شدة عداوة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق، وجعلهم قرناء المشركين عبدة الأصنام في العداوة للمؤمنين، وذلك حسداً منهم للمؤمنين”6، وقال ابن سعدي – رحمه الله -: “فهؤلاء الطائفتان على الإطلاق أعظم الناس معاداة للإسلام والمسلمين، وأكثرهم سعياً في إيصال الضرر إليهم، وذلك لشدة بغضهم لهم بغياً وحسداً، وعناداً وكفر7“.
ومن شدة العداء أنهم يعرفون الحق لكنهم لا يتبعونه، فهم يعرفون أن النبي ﷺ حق، وأنه من عند الله؛ ولكنهم لم يتبعوه، ولما هاجر النبي ﷺ ووصل إلى المدينة نظر إليه اليهود فعرفوه، وأكنوا له العداوة كما روت ذلك أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب زوجة نبينا ﷺ فإنها ذكرت أن حيي بن أخطب أحد زعماء يهود لما قدم النبي ﷺ المدينة رآه فعرف أنه نبي مما قرأ عنه في التوراة، تقول صفية – رضي الله عنها -: “أن أباها وعمها التقيا بعد أن رأيا النبي ﷺ ، فقال عمها لأبيها: أهو هو؟ قال: نعم أعرفه بوجهه – أو بنعته -، قال: فما في صدرك له؟، قال: عداوته ما بقيت”، وهذا مصداق قول الله – جل وعلا -: فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ8، وقوله – تبارك وتعالى -: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ9“10، ولقد ورد في القرآن الكريم أنه من شدة عداوتهم للمؤمنين: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ11، ويُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 12.
· عنادهم وتعنتهم، وكثرة أسئلتهم واستفسارهم: إذ من صفاتهم القبيحة أنهم متعنتون، يكثرون الأسئلة والاستفسارات، ومن أمثلة لذلك ما ذكره الله – تبارك وتعالى – في محكم التنزيل عما وقع بين موسى وبين قومه عندما أمرهم أن يذبحوا بقرة فقالوا: أتتخذنا هزواً ثم قالوا: ما هي؟ ما لونها؟ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ13، وقالوا لموسى : وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً 14 تعنتاً وعناداً، وقالوا له كما أخبر الله – تبارك وتعالى – بذلك: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ 15.
· تحريفهم للكتاب: فمن صفاتهم أنهم حرفوا كلام الله الذي أُنزل إليهم، وغيروا وبدلوا حتى قال الله – تبارك وتعالى – عنهم للمؤمنين: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ16، وقال: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً17، وقال الله – تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ18، وقال الله – تبارك وتعالى – لهم: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ19 فقالوا: حنطة.
· جبنهم، وحبهم الحياة، وحرصهم عليها: فاليهود من أجبن خلق الله – تبارك وتعالى – على الإطلاق، ومن تتبع التاريخ عرف حقيقتهم، فقد كانوا يتحصنون في الحصون المنيعة خوفاً من المسلمين، والمتابع في وقتنا الحاضر لصراعهم مع إخواننا في أرض فلسطين فإنه يلاحظ كيف أنهم يخافون من الحجارة، فتجدهم يهرولون هاربين منها بالرغم من أنهم يحملون أعتى السلاح، وقد قال الله – تبارك وتعالى – عن حالهم: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ20، وروي ابن جرير الطبري – رحمه الله – بسنده عن قتادة قال: “تجد أهل الباطل مختلفة شهادتهم، مختلفة أهواؤهم، مختلفة أعمالهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق”21، وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: “أي: تراهم مجتمعين فتحسبهم مؤتلفين، وهم مختلفون غاية الاختلاف”22؛ وقال الله – تبارك وتعالى – عنهم: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ23 قال أبوجعفر محمد بن جرير الطبري – رحمه الله -: “وهذا خبر من الله – جل ذكره – عن قول الملأ من قوم موسى لموسى إذ رغبوا في جهاد عدوهم، ووعدوا نصر الله إياهم إن هم ناهضوهم، ودخلوا عليهم باب مدينتهم؛ أنهم قالوا له:”إنا لن ندخلها أبداً” يعنون: إنا لن ندخل مدينتهم أبداً”24؛ وقال الشيخ السعدي – رحمه الله -: “فما أشنع هذا الكلام منهم، ومواجهتهم لنبيهم في هذا المقام الحرج الضيق الذي قد دعت الحاجة والضرورة إلى نصرة نبيهم، وإعزاز أنفسهم”25، وقال – سبحانه – حاكياً حالهم وحبهم للحياة، وخوفهم من الموت: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ26.
· أنهم سماعون للكذب، أكالون للسحت، يأكلون أموال الناس بالباطل: فاليهود كما تعلمون قوم بهتٌ، أكالون للسحت والربا، ولا يعيشون إلا على الحرام، ولا يبالون في سبيل جمع المال بشيء من الدين أو الأخلاق، أو حرمة الأعراض، فهم عبّاد المال أينما وجد، وبأي طريقة اكتسب؛ حلالاً أو حراماً، ولما كانوا يساكنون المسلمين في البلاد الإسلامية منذ القدم (قبل أن يحتلوا بلاد فلسطين ليكوِّنوا لهم دولة) نشروا الربا بين المسلمين، وأغروهم بمكاسبه الكبيرة، فتبعهم من ضعُفَ إيمانُه وخلقُه من المسلمين – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم – قال الله – تبارك وتعالى -: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ27، ويقول سبحانه: وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ28، وقال سبحانه: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً29، وقال – سبحانه جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ30.
· الغدر والخيانة: إن الغدر والخيانة صفتان قبيحتان يستقبحهما كل من كانت فطرته سليمة لم تشبها شائبة، لكن من أعظم الصفات التي يتصف بها اليهود – قبحهم الله – صفتا الغدر والخيانة، فهم خونة ينقضون المواثيق ويغدرون، ويخونون من ائتمنهم قال – تعالى -: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ31 وقال – تعالى -: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ 32، وقال – سبحانه -: وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ33، وروى الإمام أبو داود السجستاني – رحمه الله – في سننه “أن النبي ﷺ كان يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة”، زاد “فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمَّتها، فأكل رسول الله ﷺ منها، وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله ﷺ فقتلت، ثم قال: في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري“34.
· قسوة قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد: بسبب عصيانهم لله – تبارك وتعالى -، ولرسله – صلوات الله عليهم أجمعين – قال الله – تبارك وتعالى – مخبراً عن حال قلوبهم: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ35 وقال – سبحانه -: بِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ36 وقال – سبحانه -: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ37 وقد توعد الله – تبارك وتعالى – القاسية قلوبهم بالعذاب فقال – جل وعلا -: أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ38.
· هم قوم مغرورون ومتكبرون: وهاتان الصفتان من أقبح الصفات، فالكبر وحده مانع من دخول الجنة كما جاء عن عبدالله بن مسعود عن النبي ﷺ قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر39، ومن كبرهم أنهم قالوا: إنهم أبناء الله وأحباؤه كما قال الله – تبارك وتعالى -: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ40 وقالوا: لا يدخل الجنة إلا من كان منهم كما قال الله – تبارك وتعالى -: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ41, ومن كبرهم وغرورهم أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ولم يستمعوا له كما أخبر الله – تبارك وتعالى – عنهم: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ42.
· قذفهم لمريم – عليها السلام -: فاليهود لقبح سرائرهم وقعوا في عرض مريم بنت عمران – عليها السلام – واتهموها بالزنا – عياذاً بالله – قال الله – تبارك وتعالى -: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً43, وقال – جل جلاله العظيم في سلطانه -: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً44 قالوا ذلك وهي المبرأة التقية، العابدة الزاهدة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً.
· قتل الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -، ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: ولقبح أخلاقهم فقد قاموا بقتل أنبياء الله – تبارك وتعالى – عليهم الصلاة والسلام -، وحاولوا قتل نبينا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – قال الله – تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ45 وقال الله – جل وعلا -: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ46 أي: “ظلماً، فإنهم قتلوا أشعياء، وزكريا، ويحيى وغيرهم”47, وقال البيضاوي – رحمه الله – في تفسيره: “بسبب كفرهم بالمعجزات التي من جملتها ما عدَّ عليهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر، أو بالكتب المنزلة: كالإنجيل، والفرقان، وآية الرجم، والتي فيها نعت محمد ﷺ من التوراة، وقتلهم الأنبياء، فإنهم قتلوا أشعياء، وزكريا، ويحيى وغيرهم بغير الحق عندهم إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم، وإنما حملهم على ذلك اتباع الهوى، وحب الدنيا كما أشار إليه بقوله: ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ أي: جرهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات، وقتل النبيين، فإن صغار الذنوب سبب يؤدي إلى ارتكاب كبارها، كما أن صغار الطاعات أسباب مؤدية إلى تحري كبارها، وقيل كرر الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم كما هو بسبب الكفر والقتل فهو بسبب ارتكابهم المعاصي، واعتدائهم حدود الله – تعالى -“48 وقال الله – تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ49، وقال الله – تبارك وتعالى -: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ50.
· نقضهم العهود والمواثيق: ومن أشهر صفات اليهود أيضاً نقضهم العهد والميثاق، فلقد نقضوا عهدهم مع الله – تبارك وتعالى – ومع رسله في أكثر ِمن موضع، وسطر الله ذلك في كتابه فقال – سبحانه وتعالى -: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ51، ويقول سبحانه: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ52 وقال الله – تبارك وتعالى -: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ53 وقال الله : الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ54 وقد حصل هذا قبل بعثة النبي ﷺ، فلما جاء الإسلام، وقدم النبي ﷺ إلى المدينة، وعاهدهم؛ نقضوا العهد أكثر من مرة، وتآمروا مع القبائل الكافرة ضد المسلمين حتى انتقم الله – تبارك وتعالى – منهم وأخزاهم.
· تفرقهم واختلافهم: ومن صفاتهم أنهم تفرقوا إلى جماعات متعددة متناحرة، وما وقع ذلك الاختلاف والتفرق إلا بعد أن جاءهم العلم قال الله – تبارك وتعالى -: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ55 وقال الله – تبارك وتعالى -: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ56 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة57 وروي عن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنهما – بلفظ: أنه قام فينا فقال: “ألا إن رسول الله ﷺ قام فينا فقال: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين: ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة58.
· قلة أدبهم مع الله – تبارك وتعالى -، ومع أنبيائه، وأنهم قوم مفسدون: فهم من أخبث خلق الله، حيث قلَّ أدبهم مع الله – تبارك وتعالى -، ومع أنبيائه، فنسبوا إلى الله – تبارك وتعالى – الولد، وقالوا أن الله فقير قال الله – تبارك وتعالى -: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ59 وقالوا: يد الله – تبارك وتعالى – مغلولة فقال الله – تبارك وتعالى -: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ60 وقالوا: إن الله – تبارك وتعالى – فقير، ونحن أغنياء فقال الله – سبحانه -: لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ61، ومن قلة أدبهم مع الأنبياء ما فعله اليهود مع النبي ﷺ، فقد كانوا يسلمون عليه فيقولون: السام عليك أي: الموت، قالت عائشة – رضي الله عنها – زوج النبي ﷺ: “دخل رهط من اليهود على رسول الله ﷺ فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة – رضي الله عنها -: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله ﷺ: مهلاً يا عائشة!! إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺ: قد قلت: وعليكم62، وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: “كان على رسول الله ﷺ ثوبان قطريان غليظان، فكان إذا قعد فعرق ثقلاً عليه، فقدم بز من الشام لفلان اليهودي، فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة، فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد، إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي، فقال رسول الله ﷺ: كذب، قد علم أني من أتقاهم لله، وآداهم للأمانة63.
· تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ومن المعلوم أن الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر فيه حياة الأمم، وصلاح الحال والمجتمع، وذلك لأنه إذا وجدت المنكرات في المجتمع من غير أن يوجد من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؛ فإن ذلك يؤدي إلى فساد المجتمع بأكمله، وجعل الله – تبارك وتعالى – الخيرية لهذه الأمة وذلك لأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر قال الله – تبارك وتعالى -: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ64 لكن اليهود بخلاف هذه الأمة تركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فاستحقوا بذلك غضب الله – تبارك وتعالى – عليهم، ولعنهم قال – تبارك وتعالى -: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ65.
· انعدام الحياء: الحياء من صفات المؤمنين، وهو من الإيمان، ولا يأتي إلا بخير فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله ﷺ مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله ﷺ: دعه، فإن الحياء من الإيمان66 وعن عمران بن حصين قال: قال النبي ﷺ: الحياء لا يأت إلا بخير67 ومن قبح اليهود وخستهم أنهم ليس عندهم حياء لحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره يقول: ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً فقال أبو هريرة : “والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر”68.
· أنهم حاسدون للمؤمنين: من صفات المؤمنين الرحمة والتعاطف بعضهم يعطف على بعض، ويحبون الخير لبعضهم بخلاف اليهود فإنهم يتصفون بحقدهم على المسلمين، وعلى كل صاحب نعمة وذلك لحديث عائشة – رضي الله عنها -: عن النبي ﷺ قال: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام، والتأمين69 وعموماً فإن اليهود قد جمعوا كل صفة قبيحة فاتصفوا بها، وما ذكرناه سابقاً هو بعض الصفات التي اتصفوا بها – عليهم من الله تعالى ما يستحقون -، ولذلك استحقوا غضب الله – تبارك وتعالى – عليهم، ولعنه لهم، ومسخهم إلى قردة وخنازير، وكل ذلك بسبب مخالفتهم لأوامر الله – تبارك وتعالى -، وإيمانهم بالجبت والطاغوت، وبسبب توليهم الذين كفروا قال الله – تبارك وتعالى -: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ70 وقال سبحانه: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ71, وقال الله – سبحانه -: تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ72 وقال – جل وعلا -: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً73.
نسأل الله – تبارك وتعالى – أن ينفع بها من قرأها، وأن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يهيأ لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعاصي والفجور، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
1 سورة النحل (89).
2 سورة المائدة (82).
3 تفسير الطبري (10/498).
4 تفسير ابن كثير (3/166).
5 تفسير الرازي (6/133).
6 تفسير الخازن (2/320).
7 تفسير السعدي (1/241).
8 سورة البقرة (146).
9 سورة الأنعام (20).
10 الأيام النظرة والسيرة العطرة لرسولنا صلى الله عليه وسلم (1/99) بتصرف.
11 سورة التوبة (32).
12 سورة الصف (8).
13 سورة البقرة (67-71).
14 سورة الإسراء (90).
15 سورة البقرة (61).
16 سورة البقرة (75).
17 سورة النساء (46).
18 سورة البقرة (104).
19 سورة البقرة (58).
20 سورة الحشر (14).
21 تفسير الطبري (23/292)؛ وتفسير البغوي (8/81).
22 تفسير ابن كثير (8/75).
23 سورة المائدة (22- 24).
24 تفسير الطبري (10/184).
25 تفسير السعدي (1/228).
26 سورة البقرة (96).
27 سورة المائدة (42).
28 سورة المائدة (62- 63).
29 سورة النساء (161).
30 سورة التوبة (34).
31 سورة البقرة (14).
32 سورة البقرة (76).
33 سورة الأنفال (71).
34 رواه أبو داود برقم (4512)؛ وروي عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – عند الدارمي في سننه برقم (68)؛ والحاكم في المستدرك برقم (4967)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه؛ وقال الألباني: حسن صحيح في صحيح أبي داود برقم (4512).
35 سورة البقرة (74).
36 سورة المائدة (13).
37 سورة الحج (53).
38 سورة الزمر (22).
39 رواه مسلم برقم (91).
40 سورة المائدة (18).
41 سورة البقرة (111).
42 سورة القصص (55).
43 سورة مريم (27-28).
44 سورة النساء (156- 157).
45 سورة آل عمران (21).
46 سورة البقرة (61).
47 تفسير السراج المنير (1/141)؛ وتفسير النسفي (1/47).
48 تفسير البيضاوي (1/331).
49 سورة آل عمران (21).
50 سورة آل عمران (112).
51 سورة البقرة (100).
52 سورة البقرة (83).
53 سورة البقرة (246).
54 سورة الأنفال (56).
55 سورة آل عمران (105).
56 سورة الشورى (14).
57 رواه أبو داود برقم (4596)؛ والترمذي برقم (2640)، وقال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح؛ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (203)؛ وفي صحيح ابن ماجة برقم (3225).
58 رواه أبو داود برقم (4597)؛ وابن ماجة برقم (3992)؛ وقال الألباني: حسن صحيح في صحيح الترغيب والترهيب برقم (51)؛ وصححه في السلسلة الصحيحة برقم (204)، و(1492).
59 سورة التوبة (30-31).
60 سورة المائدة (64).
61 سورة آل عمران (181).
62 رواه البخاري برقم (5678) و(5683)؛ ومسلم برقم (2165).
63 رواه الترمذي برقم (1213)، وقال أبو عيسى: حديث عائشة حديث حسن غريب صحيح؛ والنسائي برقم (4628)؛ وصححه الألباني برقم (1213) في صحيح وضعبف الترمذي؛ وفي صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (4628).
64 سورة آل عمران (110).
65 سورة المائدة (78- 79).
66 رواه البخاري برقم (24), و(5767)؛ ومسلم برقم (36).
67 رواه البخاري برقم (5766)؛ ومسلم برقم (37).
68 رواه البخاري برقم (274)؛ ومسلم برقم (339).
69 رواه ابن ماجه برقم (856)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (697)؛ وفي صحيح الترغيب والترهيب برقم (515).
70 سورة المائدة (60).
71 سورة البقرة (65).
72 سورة المائدة (80).
73 سورة النساء (51).