ترك مسجد الحي والصلاة في مسجد آخر

ترك مسجد الحي والصلاة في مسجد آخر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

من المسائل المتعلقة بالمسجد وأحكامه مسألة أيهما أفضل الصلاة في مسجد الحي أم الصلاة في غيره، وفي هذا الموضوع سوف نتعرض لهذه المسألة:

حيث اختلف العلماء في أيهما أفضل على أقوال:

القول الأول: أن الصلاة في المسجد الذي تكثر فيه الجماعة أفضل، وأبعدهما أولى من أقربهما؛ إلا إذا كان المسجد الذي بجواره تختل فيه الجماعة؛ ففعلها في مسجد الجوار أفضل؛ وهو مذهب الشافعية1، والمالكية2، والحنابلة3، واستدلوا:

من المنقول: 1-  بحديث أبي موسى  قال: قال النبي  : أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى رواه البخاري (651).

2- وحديث أبي بن كعب  قال: قال رسول الله  : صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحب إلى الله ​​​​​​​ 4.

من المعقول:

حتى تكثر خطاه في طلب الثواب، فتكثر حسناته.5

قال الإمام الشيرازي – رحمه الله -: “وفي المساجد التي يكثر الناس فيها أفضل… فإن كان في جواره مسجد تختل فيه الجماعة ففعلها في مسجد الجوار أفضل من فعلها في المسجد الذي يكثر فيه الناس؛ لأنه إذا صلى في مسجد الجوار حصلت الجماعة في موضعين”6، وقال ابن قدامة – رحمه الله -: “وإن كان في جواره أو في غير جواره مسجد لا تنعقد الجماعة فيه إلا بحضوره ففعلها فيه أولى؛ لأنه يعمره بإقامة الجماعة فيه، ويحصلها لمن يصلي فيه، وإن كانت تقام فيه وكان في قصده غيره كسر قلب إمامه أو جماعته؛ فجبر قلوبهم أولى”7.

وقال الإمام النووي – رحمه الله -: “فلو كان بجواره مسجد قليل الجمع، وبالبعد منه مسجد أكثر جمعاً؛ فالمسجد البعيد أولى إلا في حالتين:

أحدهما: أن تتعطل جماعة القريب؛ لعدوله عنه لكونه إماماً، أو يحضر الناس بحضوره، فحينئذ يكون القريب أفضل.

الثاني: أن يكون إمام البعيد مبتدعاً كالمعتزلي وغيره، أو فاسقاً، أو لا يعتقد وجوب بعض الأركان فالقريب أفضل”8.

القول الثاني: أن صلاة المرء في مسجد حيه أفضل من غيره من المساجد حتى ولو كان غيره أكثر جمعاً، وهذا مذهب الحنفية قال ابن عابدين – رحمه الله -: “ومسجد حيه وإن قلَّ جمعه أفضل من الجامع؛ وإن كثر جمعه”9، وهو أيضاً رواية عند الحنابلة10، ووجه عند الشافعيه11، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله12، واستدلوا:

من المعقول:

1- أنه الأقرب له جواراً فكان أحق بصلاته13.

2- أنه سبب لعمارته.14

3- أنه تأليف للإمام وأهل الحي، ويندفع به ما قد يكون في قلب الإمام إذا لم تصل معه.15

4- أن ترك المرء للصلاة في مسجد حيه سبب في اتهامه بعدم حضور الصلاة في جماعة.

5- أن ترك المرء للصلاة في مسجد حيه فيه إثارة للناس على الإمام، حيث يكثر السؤال عن سبب عدم الصلاة خلفه، مما يؤدي إلى وقوع الناس في فتنة. وأما الجواب عن الحديثين فيقال: أنه في مسجد ليس هناك أقرب منه، فإنه كلما بعد المسجد، وكلفت نفسك أن تذهب إليه مع بعده؛ كان هذا بلا شك أفضل مما لو كان قريباً.16 قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “فالحاصل:أن الأفضل أن تصلي في مسجد الحي الذي أنت فيه سواء كان أكثر جماعة أو أقل لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ما كان أكثر فهو أحب إلى الله، ثم يليه الأبعد، ثم يليه العتيق؛ لأن تفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه يحتاج إلى دليل بيِّن، وليس هناك دليل بيٌّن على هذه المسألة”17.

والله أعلم.


1 المجموع (4/170) للنووي – دار الفكر – بيروت 1997م.

2 الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/153) لصالح عبد السميع الآبي الأزهري، دار النشر: المكتبة الثقافية – بيروت. 

3 الروض المربع (1/236) للبهوتي الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض1390هـ.، والمغني (2/4).

4 رواه أبو داوود (554)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داوود.

5 المغني (2/4) لابن قدامة المقدسي، دار النشر: دار الفكر – بيروت – الطبعة الأولى 1405هـ.

6 المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/93) لأبي إسحاق الشيرازي، دار النشر:دار الفكر – بيروت.

7 المغني (2/4).

8 المجموع (4/170).

9 حاشية رد المختار على الدر المختار (1/659) لابن عابدين، دار النشر: دار الفكر للطباعة والنشر. بيروت 1421هـ – 2000م.

10 المغني (2/4).

11 المجموع (4/170) للنووي، دار النشر: دار الفكر – بيروت 1997م.

12 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/151) لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين، دار النشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الأولى 1422هـ- 1428 هـ.

13 المغني (2/4).

14 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/152).

15 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/152).

16 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/152).

17 الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/153).