كيف تعرف أن الله يحبك؟

كيف تعرف أن الله يحبك؟

الحمد الله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وصلاة وسلاماً على خير خلق الله دائماً أبداً، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أكمل الناس محبة لله وزهداً وورعاً .. أما بعد:

فمما لا شك فيه أن كل مسلم ومسلمة يقول: “لا إله إلا الله” إلا هو يحب الله ورسوله فعن عتبان بن مالك قال: غدا عليَّ رسول الله  فقال رجل: أين مالك بن الدخشن؟ فقال رجل منا: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي : ألا تقولونه يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله، قال: بلى، قال: فإنه لا يوافي عبد يوم القيامة به إلا حرم الله عليه النار1، ولكن الناس يتفاوتون في المحبة، فمن مقل ومستكثر، وكل واحد يبذل الأسباب التي يرى أنه سينال بها محبة الله، ولكن: “ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب”2 كما قال بعض العلماء الحكماء، وذلك أن كل إنسان يدعي محبة الله ورسوله. وبما أننا لا نعرف أن فلاناً بذاته يحب الله إلا بنص من كتاب أو سنة صحيحة، ولن يكون ذلك إلا بوجود رسول، وبما أن الرسل قد ختموا بمحمد  فلا نبي بعده، فليس من الممكن أن نعرف أن فلاناً بعينه يحب الله، ولكن يمكننا أن نعرف أن الله قد أحب فلاناً من الناس إذا وجدت علامات ودلالات في الشخص تدل على ذلك، ومن هذه العلامات والدلالات التي تعرف بها أنك تحب الله ما يلي:

أولاً: إذا كنت عاملاً بكتاب الله، وبسنة رسول توفرت فيك الصفات التي يحبها الله؛ فإن الله يحب المتقين، ويحب التوابين، ويحب الصابرين، ويحب المتوكلين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله، ويحب المقسطين، ويحب المحسنين، فإذا كنت من هؤلاء فإنك تحب الله!. وفي المقابل فإن الله – تبارك وتعالى – لا يحب المعتدين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المتكبرين، ولا يحب الكافرين، ولا يحب الفاسقين، ولا يحب الخائنين، فلتحذر أن تكون فيك صفة من هذه الصفات، فإذا وجدت فيك صفة من هذه الصفات فإن الله يبغضك.

ثانياً: تعرف أنك تحب الله إذا كنت تحب الله، وتحب أسماءه وصفاته، وتثبت ذلك له كما أثبت لنفسه، وأثبت له رسوله ؛ فقد بشر النبي  الرجل الذي كان يحب سورة الإخلاص وقال: أحبها لأنها صفة الرحمن ​​​​​​​، فقال: أخبروه أن الله يحبه3، قال ابن القيم – رحمه الله -: “فدل على أن من أحب صفات الله أحبه الله، وأدخله الجنة”4. ثالثاً: تعرف أن الله يحبك إذا كنت متبعاً لرسول الله ، مطبقاً لسنته، مهتدياً بهديه قال الله – تبارك وتعالى -: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (سورة آل عمران:31)، قال الحسن البصري – رحمه الله -: “ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم”، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: “وقد بين الله فيها – أي في الآية – أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول  فليس من أولياء الله”5. رابعاً: إذا كنت دائماً لهجاً بذكر الله تعالى، قال بعض السلف: “إن الله يحب أن يذكر على جميع الأحوال إلا في حال الجماع، وقضاء الحاجة”6. خامساً: إذا كنت تحب القرآن الذي هو كلام الله، قال ابن مسعود : “لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ورسوله”7، وقال سهل التستري: “علامة حب الله حب القرآن”، وقال أبو سعيد الخراز: “من أحب الله أحب كلام الله، ولم يشبع من تلاوته”8، فإذا كنت فعلاً تحب القرآن فحرمت حرامه، وأحللت حلاله؛ فإنك تحب الله ورسوله.

سادساً: إذا كنت تحب معالي الأمور، وتكره سفاسفها، أي كنت ذا همة عالية؛ فقد قال حبيبك : إن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها9. سابعاً: إذا كنت تقياً نقياً خفياً؛ فعن سعد بن أبي وقاص  قال سمعت رسول الله  يقول: إن الله يحب العبد التقي، الغني الخفي10، وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر  خرج إلى المسجد فوجد معاذاً عند قبر رسول الله  يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله  قال: … ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة11.

ثامناً: إذا كنت ممن تحب لقاء الله فإن الله يحبك؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بُشِّرَ برحمة الله، ورضوانه، وجنته؛ أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بُشِّرَ بعذاب الله، وسخطه؛ كره لقاء الله، وكره الله لقاءه12، قال ابن رجب – رحمه الله -: “فالمطيع لله مستأنس بربه، فهو يحب لقاء الله، والله يحب لقاءه، والعاصي مستوحش بينه وبين مولاه وحشة الذنوب، فهو يكره لقاء ربه، ولا بد له منه”13.

تاسعاً: إذا كنت محققاً لعقيدة الولاء للمؤمنين، والبراءة من الكافرين؛ رحيماً بالمؤمنين، عزيزاً على الكافرين، مجاهداً في سبيل الله؛ قال الله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ (سورة المائدة:54).

هذه من العلامات الدالة على حب الله ورسوله  نسأل الله أن يجعلنا ممن يحبه، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إليك يا عزيز يا حكيم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.


1 رواه البخاري.

2 تفسير القرآن العظيم (1/477) لابن كثير.

3 رواه البخاري ومسلم.

4 مفتاح دار السعادة (1/77). الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت.

5 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، صـ(11).

6 روضة المحبين ونزهة المشتاقين(309)  الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت(، 1412 هـ).

7  أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، صـ(64).

8  نزهة الأسماع في مسألة السماع، صـ(86). لابن رجب. الناشر: دار طيبة-الرياض. ط: 1(1407هـ).

9 أخرجه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1378).

10 رواه مسلم.

11 رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي في كتاب الزهد، وقال الحاكم: “صحيح وله علة”.

12 رواه مسلم.

13 لطائف المعارف، صـ(321).