السهر لغير حاجة

السهر لغير حاجة

السهر لغير حاجة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:

فإن سهر المسلم لغير حاجة من الأمور المكروهة، لأن في ذلك ضياعاً لأشرف الأوقات، وهو الليل، وإتعاباً للجسم، وعن عائشة قالت: "ما نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل العشاء ولا سهر بعدها"1. وروى البخاري ومسلم عن أبى برزة قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤخر العشاء إلى ثلث الليل، ويكره النوم قبلها، والحديث بعدها"2. ففي هذا الحديث كراهية الحديث بعد صلاة العشاء إلا لحاجة، وعلل العلماء الكراهية بعدة أمور:

1.  "لأن الصلاة قد كفرت خطاياه فينام على سلامة، وقد ختم الكتاب صحيفته بالعبادة، فإن هو سمر وتحدث فيملؤها بالهوس، ويجعل خاتمتها اللغو والباطل، وليس هذا من فعل المؤمنين"3

2.  ولأن في السهر مظنة غلبة النوم في آخر الليل، فيفوت قيام الليل، ويعرض صلاة الصبح للفوات، وقد روي عن عمر أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العشاء، ويقول: "أسمراً أول الليل، ونوماً آخره، أريحوا كتابكم.

3.    ولأن في السهر مخالفة نظام الله في جعل النهار للعمل والليل للنوم والسكن.

4.    ولأن في السهر إزعاج النائمين بما يثار في السهر من أعمال تقلق الراحة.4

5.    في السهر ضرر على الجسم وإرهاق له. لذا كره الفقهاء قيام الليل كله لهذه العلة.

6.  ومن أسباب الكراهة: ما رواه جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كفوا صبيانكم عند فحمة العشاء، وإياكم والسمر بعد هدأة الرِّجل، فإنكم لا تدرون ما يبث الله من خلقه فأغلقوا الأبواب، وأطفئوا المصباح، وأكفئوا الإناء، وأوكوا السقاء)5.

7.    و"لأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا"6.

 

وإذا كان الحديث بعد صلاة العشاء لحاجة فلا يكره، يقول ابن دقيق العيد: "والحديث هاهنا: قد يخص بما لا يتعلق بمصلحة الدين، أو إصلاح المسلمين من الأمور الدنيوية. فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدث أصحابه بعد العشاء.. ويستثنى منه أيضاً ما تدعو الحاجة إلى الحديث فيه من الأشغال التي تتعلق بها مصلحة الإنسان"7.

 

الحاجة الداعية للسهر بعد صلاة العشاء:

روى الحاكم عن عمران بن حصين قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل".8 وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا سمر بعد العشاء، إلا لمصل أو مسافر)9 "10. فدل هذان الحديثان على أن السهر لمصلحة شرعية أو حاجة من حوائج الإنسان المهمة غير مكروه، "قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها. أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكل هذا لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه، والباقي في معناه".11

ومهما كانت الأسباب فالأفضل للإنسان النوم مبكراً وترك السهر حتى يقوم إلى صلاة الفجر وهو مرتاح النفس حاضر القلب، وربما قام فصلى شيئاً من الليل فكان له في ذلك أجر عظيم، مع ما في ترك السهر من القيام مبكراً لأداء الأعمال والتكاليف اليومية في وقتها المناسب ودوامها المحدد.. وهذه حكمة الشارع الحكيم في جعل الأمور في مواضعها.. كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} (47) سورة الفرقان.

اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وثبتنا على دينك حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا ودنيانا وأخرانا، يا رب العالمين.

 


 


1 – أخرجه أحمد (ج 53 / ص 236- 25078)

2 – أخرجه البخاري (ج 3 / ص 228 – 729) ومسلم (ج 3 / ص 361 – 1024)  

3 – تفسير القرطبي – (ج 12 / ص 138)

4 – فتاوى الأزهر – (ج 10 / ص 364)

5 – مسند الحميدي (1327) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ج 9 / ص 241)

6 شرح النووي على مسلم – (ج 2 / ص 442)

7 – إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (ج 1 / ص 227)

8 -أخرجه أحمد(19074) والحاكم(3389)وصححه الألباني في الصحيحة(ج 8/ص 32 – 3025)

9 -أخرجه الترمذي(154)وأحمد(4023)وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم:7499.

10 – مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (ج 2 / ص 97)

11 – شرح النووي على مسلم (ج 2 / ص 442).