سرعة الغضب

سرعة الغضب

سرعة الغضب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد:

فإن الغضب للنفس من الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يبتعد عنها؛ لأنه يترتب على الغضب ما يندم عليه صاحبه في الدنيا والآخرة. والغضب حالة نفسانية، ومعناها تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب، ليحصل عنه التشفي في الصدر. ولقد أوصانا النبي -صلى الله عليه وسلم- بترك الغضب، بأن نبتعد عن الأسباب التي تؤدي إليه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: “أوصني” قال: (لا تغضب) فردد مراراً، قال: (لا تغضب)1. فإذا حدث للمسلم ما يغضبه فينبغي عليه أن يتذكر وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تغضب). وكأن النبي يوجه الحديث له مباشرة.

وأسبابه كثيرة: فمنها: العُجب: فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين، ومنها: المراء: فالمراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلاً يأتيك به الغضب، لهذا فقد نهى الشارع عنه، قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)2 ومنها: المزاح فتجد بعض المكثرين من المزاح يتجاوز الحد المشروع منه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جاداً ولا لاعباً)3 لأن ذلك يؤدي إلى الغضب، ومنها: بذاءة اللسان وفحشه بشتم أو سب أو تعيير مما يوغل الصدور, ويثير الغضب، ومن أسبابه أيضاً: الغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه.

وأنواعه: محمودٌ ومذمومٌ،

فالأول: هو ما كان لله تعالى عندما تنتهك محارمه، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان، قال تعالى عن موسى عليه السلام: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}(الأعراف:150)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل-“4. والثاني: المذموم، وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية، أو للنفس. والخلق مجبولون على الغضب، والحلم معاً، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل.

وعلاجه بأمور: منها: الاستعاذة بالله من الشيطان قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(فصلت:36)، وعن سليمان بن صرد -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه, وانتفخت أوداجه, فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد)5. ومنها: تغيير الحال، فعن أبى ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)6 ومنها: ترك المخاصمة، فإن الخصام يؤدي إلى الغضب. ومنها: استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران:134) والإحسان هي أعلى المراتب. وقال تعالى و{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}(الشورى:37) وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: (لا تغضب ولك الجنة)7 وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (من كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء)8 قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: ” ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب، وجرعة صبر عند المصيبة..”9 ومنها: الإكثار من ذكر الله، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28) فمن اطمئن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب، ومنها: العمل بوصية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهي قوله: (لا تغضب) ومنها: النظر في نتائج الغضب فكثير الغضب تجده مصاباً بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص, كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب. ومنها: أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)10. وقال ابن تيمية -رحمه الله-:” ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد”11 ومنها: قبول النصيحة والعمل بها، فعلى من شاهد غاضباً أن ينصحه، ويذكره فضل الحلم، وكتم الغيظ. ومنها: معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركه إغلاق لباب من أبواب العصيان، قال ابن القيم -رحمه الله-: “ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة, وكان نهاية قوة الغضب القتل, ونهاية قوة الشهوة الزنا جمع الله تعالى بين القتل والزنا, وجعلهما قرينين في سورة الأنعام..”12. والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


1 – البخاري رقم (5765).

2 – سنن أبي داود (ج 12 / ص 422 – 4167) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ج 10 / ص 300)

3 –  مسند أحمد – (ج 36 / ص 371 – 17261)، وهو حديث حسن، حسنه الألباني في صحيح الجامع (7578 ).

4 – صحيح مسلم – (ج 11 / ص 474 – 4296)

5 – صحيح البخاري – (ج 11 / ص 60 – 3040) وفي (ج 18 / ص 479 – 5588)  وفي (ج 19 / ص 73 – 5650)  وصحيح مسلم – (ج 13 / ص 22 – 4726)  

6 – سنن أبي داود – (ج 12 / ص 402- 4151) ومسند أحمد – (ج 43 / ص 352 – 20386) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود – (ج 10 / ص 282)

7 – المعجم الكبير للطبراني – (ج 20 / ص 258 – 1762) وهو صحيح لغيره، كما في صحيح الترغيب والترهيب – (ج 3 / ص 29 –  2749)

8 – سنن أبي داود – (ج 12 / ص 397 – 4147) وسنن الترمذي – (ج 7 / ص 315 – 1944) وسنن ابن ماجه – (ج 12 / ص 225 – 4176) ومسند أحمد – (ج 31 / ص 236 – 15084) وحسنه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: 6522.

9 – مجموع فتاوى ابن تيمية – (ج 6 / ص 341)

10 – صحيح البخاري – (ج 19 / ص 72 – 5649) وصحيح مسلم – (ج 13 / ص 19 –  4723)  

11 – مجموع فتاوى ابن تيمية – (ج 6 / ص 341)

12 –  زاد المعاد – (ج 2 / ص 423)  مقتبس بعض المقال من  http://saaid.net/rasael/353.htm