التميز الحقيقي

التميز الحقيقي

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

كل إنسان يسعى للتميز والظهور بصورة مختلفة عن الصور السائدة في الواقع، حتى يصل الحال بالإنسان أن يدفع أموالاً، ويبذل أوقاتاً؛ في سبيل التميز المنشود الذي يلهث وراءه هذا الشخص.

والتميز كلمة جميلة براقة، لكن الأجمل منها هو بماذا نتميز؟ وما هو التميز الحقيقي فعلاً؟

إن التميز الحقيقي المطلوب هو الذي ينفع صاحبه، ويبعثه على الفضيلة والتمسك بهذا الدين الحنيف، وبتعاليمه السمحاء، وشرائعه الغراء، والخلق الرفيع.

التميز الكامل لا بد أن يكون متحققاً في حياة المسلم، فهو لا يعبد إلا الله – عز وجل -، ومن ثم فلا يتلقى إلا من الله، ولا يرجو ولا يطلب الرزق إلا من الله، ولا يسير في أمر يسير أو كبير إلا بحسب ما أراده الله، وهذا هو معنى الاستسلام لله، والطاعة والانقياد له، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا الرعيل الأول من الصحابة – رضي الله عنهم – التميز جلياً في حياتهم.

إن التميز مطلوب، وهو أمر سهل ويسير، وكل أحد يستطيع أن يصل إلى التميز في المجال الذي هو فيه، ويكون مرتبطاً بعقيدة المسلم وثوابته، وهذا ما سطره الصحابة الأوائل – رضي الله عنهم -، ولهذا استحقوا الخيرية التي في حديث النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: ((خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))1، ومن قبلهم تميَّز رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – عن كل قومه، حتى كان ينادى بـ"الصادق الأمين"، ثم لما كبر وشب – عليه الصلاة والسلام – لم يسره حال قومه وما هم عليه من الشرك والوثنية، فخرج ليتعبد في الغار حتى أتاه جبريل – عليه السلام – بالرسالة.

ولذا فإن على من يريد التميز أن يسلك عدة خطوات كي يصل إليه، ومن هذه الخطوات:

·   تقوية العلاقة بالله – عز وجل -، وحسن الظن به – تبارك وتعالى -: فيسأل نفسه: أين أنت من الواهب المتفضل؟ لأن تقوية العلاقة بالله – عز وجل – هي أول جذور النجاح، وخير دليل على هذه النقطة هو ما روته لنا كتب التاريخ عن العرب أنهم كانوا من الأمم التي لا تذكر، والتي يسودها الجهل والظلم … إلخ، وكلنا يعلم ما كان عليه أهل الجاهلية، لكنهم بمجرد أن انتشر الدين الحنيف في أوساطهم؛ تميزوا، وسادوا الأمم.

ومن تقوية العلاقة بالله – عز وجل – الاعتقاد السليم الذي ينهل من المنهل العذب كتاب الله – تبارك وتعالى -، وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -، والسير على النهج الذي انتهجوه، والانتماء إليه قولاً وعملاً.

·   تحديد الهدف المراد التميز فيه، وأن يكون هذا الهدف فيما يرضي الله – عز وجل -، ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -، وفي معالي الأمور لا في سفاسفها، وقد ظهر هذا التميز جلياً في الصحابي الجليل ربيعة بن كعب الأسلمي – رضي الله عنه – حيث قال: ((كنت أبيت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود))2.

·   شد الهمة، والحرص على اختيار المجال المناسب، والوقت المناسب، والمكان المناسب، والاستشعار بأن القيام بهذا العمل غايته إرضاء الله – عز وجل -، ثم نيل الجنة.

·   التخطيط الصحيح من خلال الرؤية الواضحة، وأن تكون هذه الرؤية مرتبطة بالله – عز وجل -، والتعرف والاطلاع على تجارب السابقين للاستفادة منهم، وتعلم سلوكياتهم، وكيفية تعاملهم مع المشكلات.

·   استشعار المسؤولية، ومع هذا الاستشعار لابد من تحقيق التقوى وملازمتها؛ لأن الله – عز وجل – يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ولهذا دلَّ – تبارك وتعالى – على أن: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}3.

·   وضوح الرؤية، والتدرج نحو التميز، ونعني به أن يعرف هذا الشخص ماذا يريد، وأي طريق يسلك، وخير مثال على هذه النقطة هي دعوة الرسل للأمم، فقد كان الهدف عند الرسل واضحاً وهو إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهكذا حُدِّد الهدف، ومن خلال تحديد الهدف وضحت الطريق التي سيسير عليها الرسل، وأما التدرج فالمراد به أن يبدأ الإنسان بالمرحلة الأولى حتى يكملها، ثم التي تليها، ثم التي تليها، وهكذا.

·   السعي الجاد في تطوير الذات من خلال الاستفادة من التجارب والخبرات التي يملكها الآخرون، والعلم أن الفشل لا يعد النتيجة النهائية، بل هو حادث عارض، ولهذا كان نبينا – عليه الصلاة والسلام -، ومن قبله الأنبياء – عليهم السلام – يكررون المحاولة تلو الأخرى في سبيل هداية الناس ودعوتهم.

·   الاتسام بالخلق النبيل النابع من التعاليم الإسلامية، والبعد عن كل ما يفسد الأخلاق، ويذهب المروءة؛ لأن الأخلاق هي أساس التعامل، ولهذا فصاحب الخلق الحسن هو من أقرب الناس إلى الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – يوم القيامة، وفي الدنيا قد وصفه النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بالخيرية، وأنه من خيار الناس.

ومما سبق نستنتج أن التميز الحقيقي هو تميز المسلم مع الله – عز وجل -، ومع الناس، وتميزه في حياته كلها؛ لأن هذا التميز مرتبط برب السماوات والأرض – جل في علاه -، وأي تميز أفضل من هذا؟

نسأل الله – عز وجل – أن يهدينا سواء السبيل، وأن يوفقنا إلى كل خير، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.


 


1 البخاري (3650)، ومسلم (6635).

2 مسلم (226).

3 سورة الطلاق (2-3).