الإمام الداعية

الإمام الداعية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن الإمام له مكانته البارزة في المسجد، وله احترامه الخاص من قبل المأمومين، وهو مطالب كأي مسلم بالدعوة إلى الله – عز وجل -، حيث هي فرصة لا بد أن يستغلها الإمام كونه مطاعاً مسموع الكلمة، وليتخذ نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام – قدوة لما جاءه الفتيان يطلبان تفسير الرؤيا: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}1، فاغتنم هذه الفرصة للدعوة إلى الله – تعالى – قبل أن يجيب عليهما فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}2، وهكذا ينبغي أن يكون صاحب كل علم ومكانة؛ وصاحب كل غيرة وهمٍّ للدين؛ يدعو إلى التوحيد، ويحذر من الشرك والمعاصي والمنكرات.

ومن الواضح للعيان أن كل حي من الأحياء التي يسكنها الناس يحتاج إلى دعاة يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويبينون للناس الحلال والحرام، فإذا لم يقم بهذه الوظيفة إمام المسجد فماذا سيكون دوره في الدعوة إلى الله – تعالى -، وأخطاء الناس كثيرة، ويوجد ممن يرتاد المسجد ويصلي مع جماعة المسلمين؛ من يخطئ، ولربما دخلت بعض الأخطاء معهم إلى المسجد، ومن ذلك إسبال الثياب عند بعض المصلين إن لم نقل عند أكثرهم، وكذا حلق اللحى، وغير ذلك، وهذه منكرات نراها كل يوم فمتى سنغيرها؟! والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))3، خاصة من وجد في نفسه القدرة على الكلام، وكانت كلمته مسموعة عند العامة كإمام المسجد، ولربما يعلم إمام المسجد ما لا يعلمه غيره من أحوال الذي يصلون خلفه كأن يعلم أن فلاناً من الناس ممن يحافظ على الصف الأول؛ ضعيف الغيرة على أهل بيته، فتجد أهله في الأسواق في تبرج وسفور، وتجد أبناءه في ميوعة وضياع، وآخر قد يصلي مع الناس لكنه يتعاطى المسكرات، أو مدمن دخان – وهذا الغالب – حيث تجد رائحة الدخان تنبعث من البعض وهو قائم يصلي، وأن فلان الذي يحافظ على الصف ممن يبتاع بالربا، ويأكل الرشوة، بل ممن يأكل أموال الناس بالباطل، أو أن ممن يصلي خلفه من يعق والديه، ويؤذي جيرانه، ولا يعرف حقوق أقاربه وأرحامه!!.

والحقيق أن المنكرات كثيرة، والأخطاء وافرة مما وقع الناس في شراكها، فهلَّا أخذت بأيديهم يا إمام المسجد وقد أتوا إليك يسمعون حديثك، ويحبون لقاءك، قد فروا من ضيق الذنوب، يسألون ربهم في صلواتهم الجنة، ويستعيذون به من النار، فمن الذي يبيِّن لهم ما وقعوا فيه من زلل، وينقذهم مما هم فيه من خلل؟.

وينبغي التنبه إلى أن توجيه الإمام للناس قد يكون بالدعوة العامة: كالخطبة أو الدرس أو الكلمة، وقد يكون بالدعوة الخاصة الفردية بغير ذلك من الأساليب، وما أجمل أن يكون هناك اهتمام خاص بالمصلين كل على حده، يوجه في المسألة التي يحتاجها الناس، ويعلم الجاهل ما يجهله.

ومن هنا نعلم المسؤولية العظيمة التي يتحملها الإمام، وما عليه من واجبات دعوية كثيرة لا بد أن يجعلها نصب عينيه، فقد أُنيطت به الآمال، وتعلقت به القلوب، في أن يسعى إلى ردِّ الأمة إلى ربها رد جميلاً.

والحمد لله أولاً وآخراً.


 


1 سورة يوسف (36).

2 سورة يوسف (39-40).

3 مسلم (70).