لمن الملك اليوم؟

لمن الملك اليوم؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:

فإن يوم القيامة يوم شديد على الناس جميعاً، وهو على الكافرين عسير غير يسير، إنه يوم تقطع الصلات والأنساب والمصالح الدنيوية، فيه يعرف الناس أنهم ضعفاء محتاجون إلى ربهم الكريم، وفيه يكون الملك لله وحده لا شريك له، ويبطل ما كان يظنه الناس في الدنيا ملكاً وهو ملك زائف بالنسبة إلى ملك الله العظيم الكريم.

إخواني: إن هذه الدنيا قد شغلت الناس عن الدار الآخرة، وتفاخر الناس، وتعاظموا بالملك، والمناصب، والمال، ونسوا أن الله هو المالك لهذا الكون كله، وإنما وهبهم ذلك امتحاناً لهم وفتنة، فإذا انكشف الغطاء عن أعين الغافلين فشاهدوا الأمر على حقيقته يوم القيامة سمعوا عند ذلك نداء المنادي: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، ولقد كان الملك لله الواحد القهار كل يوم لا ذلك اليوم على الخصوص، ولكن الغافلين لا يسمعون هذا النداء إلا ذلك اليوم، فهو نبأ عما يتجدد للغافلين من كشف الأحوال حيث لا ينفعهم الكشف؛ فنعوذ بالله الحليم الكريم من الجهل والعمى فإنه أصل أسباب الهلاك. قال تعالى في القرآن العظيم: يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (سورة غافر:16).

ورد في البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يقبض الله الأرض، ويطوي السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض . وعن عبد الله بن عمر  قال: قال رسول الله : يطوي الله ​​​​​​​ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ رواه مسلم. 

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: “ينادي مناد بين يدي الصيحة: يا أيها الناس! أتتكم الساعة، قال: فسمعها الأحياء والأموات، قال: وينزل الله ​​​​​​​ إلى السماء الدنيا، فينادي مناد: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار”1

عن عبد الله قال: “يجتمع الناس في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة، لم يعص الله فيها، يكون أول كلام يتكلم به أن ينادي مناد: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، ثم يكون أول ما يبدأ به من الخصومات في الدنيا، فيؤتى بالقاتل والمقتول، فيقال: لم قتلت هذا؟ فإن قال: قتلته لتكون العزة لله، قال: فإنها له، وإن قال: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له، ويبوء بإثمه فيقتله، ومن كان قتل بالغين ما بلغوا، ويذوق الموت عدد ما ماتوا.2

هناك يظهر الملك الحقيقي، وتزول ملوك الأرض الضعيفة، ولا يبقى لها وزن، ولا ذكر؛ إلا من كان منهم صالحاً عادلاً، فإن الله يوفيه حسابه وأجره، والله سريع الحساب. فما على العاقل إلا أن يعتصم بالله الملك القهار، ويستقيم على شرعه ليكرمه في يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار.

نسأل الله أن يرحمنا برحمته إنه أرحم الراحمين.


1الأهوال (ج 1 / ص 29)، لابن أبي الدنيا.

2الأهوال (ج 1 / ص 261)