دلُّوني على السُّوق

دلُّـونـي على السُّوق .. التجارة في الإسلام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:  فإن التجارة وطلب الرزق من الأمور المشروعة في الإسلام؛ فالأصل فيها الإباحة، وقد تكون مستحبة بحسب المقصد منها.

والمال من الضروريات التي لا تستقيم مصالح الدنيا إلا به، وهو قوام حياة البشر ومعاشهم يقول ابن حجر –رحمه الله-: “إن الله جعل المال قياماً لمصالح العباد؛ وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح”1.

ولا يمكن تحصيل المال إلا عن طريق التكسب، والمضاربة، والإجارة وغيرها من الوسائل المباحة شرعاً، والناظر لعامة المسلمين اليوم يجدهم بين أمرين: مغرق فيها، وشغله الشاغل جمعها، والسعي في تحصيلها، ولا نصيب له من هموم الإسلام والمسلمين، وآخر محجم عنها، محذر منها، يرى من امتهنها أنه ناقصٌ عديم النفع، قليل البركة.

ويمكن بحث هذا الموضوع من خلال ما ورد من نصوص الكتاب والسنة، وما أثر عن سلف هذه الأمة، فالمال عصب الحياة كما قال تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً (5) سورة النساء أي: تقوم بها معايشكم.

والحاجة للمال ماسة في حق الفرد والجماعة، وبيان حاجة الفرد للمال: أن حفظ حياته متوقف على الأكل والشرب، وكذلك الملابس الواقية من الحر والقر، وكل هذه الأشياء تتطلب مالاً، وهذا ما يكون أكثر وضوحاً في البلاد الفقيرة التي شح فيها المال بأيدي الناس، وأما في حق الجماعة فالحاجة إليه من وجوه:

  • أن الأمة هي مجموعة من الأفراد؛ فإذا دخل النقص على كل فرد دخل على الأمة جميعاً.
  • أن الأمة مطالبة بمجموعها بالدفاع عن دين الله، والجهاد في سبيل الله، ولا بد لذلك من عُدَّة، ولا يكون ذلك إلا بالمال كما قال تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) سورة الأنفال، كما أن وجود المال في يد الأمة يغنيها عن أعدائها؛ وهذا واقع لا يحتاج إلى دليل.

التجارة في نظر الشرع:

قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ (267) سورة البقرة، وقال –جل وعلا-: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (37) سورة النور، فمدح الله إقامتهم لذكر الله في وقت التجارة، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ  (9) سورة الجمعة، فأمرهم بترك البيع في وقت محدود وهو يوم الجمعة؛ مما يدل على جوازها في غير ذلك، ثم قال: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ (10) سورة الجمعة أي: من التجارة ونحوها، وقال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) سورة الملك، وقال: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ (20) سورة المزمل قال ابن كثير: “يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر”2.

ولقد قدم الله ​​​​​​​ هنا التجارة على الجهاد الذي هو سنام الدين؛ فتأمل ذلك! بل قدَّم الله في آية الجهادِ الجهادَ بالمال على الجهاد بالنفس: وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) سورة الصف، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ (29) سورة النساء، وقال ​​​​​​​: إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا (282) سورة البقرة، وقال تعالى: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (275) سورة البقرة. ولقد كان الأنبياء -عليهم السلام- يؤجِّرون أنفسهم عند الحاجة، وقد أُمرنا بالتمسك بهديهم؛ قال تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90) سورة الأنعام. وقص الله علينا نبأ موسى مع شيخ مدين حينما قال له: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ (27) سورة القصص، فمكث موسى  عشر سنوات؛ لكي يعف فرجه، ويشبع بطنه.3

وقال في قصة داود : وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ۝ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا (10-11) سورة سبأ؛ حيث كان -عليه الصلاة والسلام- يصنع الدروع، فاحترف مهنة الحدادة التي يمتهنها بعض الناس اليوم.

وكان  يقول: ما بعث الله نبياً إلا ورعى الغنم؛ كنت أرعى الغنم، وكنت أرعاها على قراريط لأهل مكة4، ولقد خرج النبي  في بدء أمره يريد الشام للتجارة، وقال : إن هذا المال خضرة حلوة؛ فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه؛ فنعم المعونة 5، وقال : نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ6. وعن أبي هريرة  عن النبي  أنه قال: ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده7 وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي  قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد8. وأخرج مسلم بسنده عن أبي هريرة  أن رسول الله قال: إن زكريا   كان نجاراً9، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “كان آدم حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجراً، وداود زراداً، وموسى وشعيب ومحمد -صلوات الله عليهم وسلامه- رعاة”10.

ولقد كان سلف الأمة يرون أن طلب الرزق وكسب المال خير من القعود؛ فعن أنس  قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي  بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وكان سعد ذا غنى، فقال لعبد الرحمن بن عوف: أقاسمك مالي نصفين، وأزوجك، قال: “بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق؛ فما رجع حتى استفضل أقطاً وسمناً”11.

وأورد البخاري هذا الحديث في كتاب البيوع؛ والغرض من إيراده لهذا الحديث ليدل على اشتغال بعض الصحابة بالتجارة في زمن النبي  وتقريره ذلك.

وجاء عن أبي المنهال أنه قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله  فسألنا رسول الله  عن الصرف فقال: إن كان يداً بيد فلا بأس، وإن كان نسيئاً فلا يصلح12.

وما جاء عن عروة بن الجعد الأزدي البارقي وهو أن النبي  أعطاه ديناراً يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه13.

وجاء في البخاري في كتاب البيوع عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان أصحاب رسول الله  عمال أنفسهم”14، وكانوا يتجرون في البر والبحر، ويعملون في نخيلهم15.

ولم يؤثر عن واحد منهم أنه ترك العمل والتكسب، وجلس في بيته، بل ورد عنهم ذم ذلك؛ قال عمر : “لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني؛ فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهباً، ولا فضة”16.

وكذلك من جاء بعدهم من السلف اقتفوا أثرهم في الحث على التكسب بالطرق المشروعة قال سعيد بن المسيب –رحمه الله-: “لا خير فيمن لا يجمع المال فيكف به وجهه، ويؤدي به أمانته، ويصل به رحمه، وحكي أنه لما مات ترك دنانير فقال: “اللهم إنك تعلم أني لم أتركها إلا لأصون بها ديني وحسبي”، وقال رجل للإمام أحمد: إني في كفاية، فقال: “الزم السوق؛ تصل به الرحم، وتعود به نفسك”17.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت في مواسم الحج: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ (198) سورة البقرة18. وبعد هذا العرض يتبين أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والصحابة على جلالة قدرهم، وعظيم منزلتهم، وحرصهم على ما يرضي ربهم ؛كانوا يمارسون التجارة بقصد التعفف عن الناس.

الغاية من التجارة:

إن الغاية من التجارة تحصيل المال؛ إذ للمال فوائد دينية ودنيوية.

أما الفوائد الدنيوية فالخلق يعرفونها؛ ولذلك تهالك الناس في طلبها والسعي في تحصيلها، وأما الدينية فتتلخص في ثلاثة أنواع هي:

1- أن ينفقه على نفسه إما في عبادة كالحج والعمرة، والصدقة ونصرة المسلمين، وإما يستعين به على العبادة كالمطعم والملبس، والمسكن وغيرها من ضرورات المعيشة؛ فإن هذه الحاجات إذا لم تتيسر لم يتفرغ القلب للدين والعبادة.

2- ما يصرفه إلى الناس، وهو أقسام: أ- الصدقة: وفضائلها كثيرة مشهورة. ب- المروءة: كضيافة الإخوان والأصدقاء. ج- ما يعطيه أجرة على الاستخدام: فالأعمال التي يحتاج إليها الإنسان كثيرة؛ فلو تولاها بنفسه لضاعت أوقاته.

3- ما يصرفه في وجوه البر كبناء المساجد، ودعم الهيئات الدعوية والإغاثية وغيرها من وجوه البر.

فوائد التجارة: للتجارة فوائد كثيرة منها:

1- الاستغناء عن الناس ومعلوم أن الشريعة الإسلامية نبذت التسول والنظر إلى ما في أيدي الناس، ودعت المرء المسلم أن يسعى في طلب الرزق بالوسائل المباحة، ومما ورد في ذم التسول قوله –عليه الصلاة والسلام-: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم19، وامتدح الذي يأكل من عمل يده فقال : لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه 20، وقال: ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود  كان يأكل من عمل يده 21.

2- أنها سبب في إقامة ألوان من العبودية لله ​​​​​​​ فمن يمتلك المال يستطيع أن يضيف إلى نفسه أجوراً مضاعفة كالأوقاف، والدعوة إلى الله، والصدقات، ونصرة المستضعفين، وتفطير الصائمين، وغيرها من ألوان العبودية؛ فلهذا قال : ذهب أهل الدثور بالأجور22، وفي رواية: بالدرجات العلى والنعيم المقيم23، وهم أصحاب الأموال؛ فقد أضافوا لأنفسهم نوعاً من العبادة وهو الصدقة، ولم يستطع غيرهم أن يفعله؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

3- أنها تقوي التوكل على الله، فالتجارة نوع من المخاطرة؛ فقد يكسب الإنسان وقد تركبه الديون؛ فلذلك تجد قلبه متعلقاً بالله، محتاجاً إليه.

4- أنها تنمي الإبداع والتفكير، ويظهر ذلك في كون التاجر يسعى جاهداً في تطوير تجارته، والإبداع فيها لينجح في تجارته، ويحقق ما يريد.

5- أنها تحقق الأمن الاقتصادي للأمة الإسلامية؛ فالأمة التي لا تملك اقتصادها لا تملك قرارها، فالذي يملك التجارة والمال يؤثر في الناس، وهذا ما حصل مع ثمامة بن أثال  عندما أسلم قال لقريش: “والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي 24.

ما يجب على التاجر:

يجب على التاجر أمور منها:

1- ألا تلهيه تجارته عن طاعة الله؛ فإن هناك واجبات عينية وكفائية لا بد من مراعاتها وعدم الإخلال بشيء منها على حساب ما يقوم به من عمل تجاري، وقد حذر النبي  من ذلك فقال: تعس عبد الدينار والدرهم25، وقال الله : فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ (10) سورة الجمعة يقول الشيخ السعدي – رحمه الله -: “ولما كان الاشتغال في التجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله؛ أمر الله بالإكثار من ذكره فقال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا أي في حال قيامكم، وقعودكم، وعلى جنوبكم لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) سورة الجمعة، فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح26.

ويقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري: “إن الاشتغال بالتجارة إذا أحدث نقصاً في الطاعة لم يكن مباحاً بل يكره أو يحرم، على حسب ما يحصل على الطاعة من خلل؛ فمن شغلته التجارة عن تحية المسجد، أو عن فضيلة إدراك تكبيرة الإحرام في الصلاة؛ كانت مكروهة، ومن شغلته عن صلاة الجماعة، أو عن أدائها أول الوقت؛ كانت محرمة عند ضيق الوقت، وكذلك من شغلته عن فعل واجب ولو مع أهله كان انهماكه المشغل عن ذلك حراماً”27.

وجاء عند البخاري في كتاب البيوع: باب التجارة في البز: قال قتادة في تفسير قوله تعالى: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ (37) سورة النور: “كان القوم يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله”28.

2- أن يؤدي الحقوق الشرعية في تجارته: وذلك كزكاة عروض التجارة ونحو ذلك.

3- أن يتجنب التجارة بالحرام، ويتحرى الرزق الحلال، فيتحرى الحلال، ويجتنب الحرام، ويتورع عن المشتبه فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة  عن النبي  قال: يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ من حلال أم حرام، وقال : إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته29.

4- ألا يكون همه الشاغل، بل يجعل من عمله هذا وسيلة للتقوي على طاعة الله؛ فالهم هم الآخرة، فيجعل الآخرة في قلبه، والدنيا في يده، وأما من أصبح وهمه الدنيا فهذا الذي لا تحمد عقباه؛ وقد حذرنا النبي  من ذلك فقال: من كان همه الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له 30. وقال : من جعل الهموم هماً واحداً – هم آخرته – كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك31، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما له حمار فباعه، فقيل له : لو أمسكته! فقال: “لقد كان لنا موافقاً؛ ولكنه أذهب بشعبة من قلبي، فكرهت أن أشغل قلبي بشيء”.

5- أن يتعلم أحكام البيع والشراء، فيعرف الحلال والحرام؛ فلا يبيع للناس المحرمات، ولا يغشهم ولا يخدعهم، ولا يروِّج سلعته بالكذب واليمين الغموس، وقد كان عمر بن الخطاب  يقول: “لا يبيع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين”32 يقول العلامة أحمد شاكر –رحمه الله-: “حتى يعرف ما يأخذ، وما يدع، وحتى يعرف الحلال والحرام، ولا يفسد على الناس بيعهم وشراءهم بالأباطيل والأكاذيب، وحتى لا يدخل الربا عليهم من أبواب قد لا يعرفها المشتري، وبالجملة: لتكون التجارة تجارة إسلامية صحيحة خالصة، يطمئن إليها المسلم وغير المسلم، لا غش فيها، ولا خداع”33. ومن هنا كان لزاماً على من يبيع ويشتري أن يتعلم أحكام البيع والشراء والمعاملات وغيرها مما يحتاجه في تجارته.

6- النصح للمشتري؛ لحديث: فإن صَدَقَا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كَتَمَا وكذبا مُحقت بركة بيعهما34.

7- أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر:  فالتاجر أثناء تجارته قد يرى من المنكرات التي لا ترضي الله فواجب عليه إنكارها، وعدم السكوت عنها كما قال : من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان35.36.

نسأل المولى –جل في علاه- أن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.


1 فتح الباري لابن حجر (ج 17 / ص 98).

2 تفسير ابن كثير (ج 8 / ص 258).

3 حديث أن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني حجج أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه رواه ابن ماجه قال الألباني رحمه الله ضعيف جدا (إرواء الغليل ج 5 رقم الحديث :1488 ).

4 رواه البخاري برقم (2102) (ج 8 / ص 21).

5 رواه البخاري برقم (1379) (ج 5 / ص 321) ومسلم برقم (1717) (ج 5 / ص 236).

6 رواه أحمد برقم (17096 ) (ج 36 / ص 165) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (3756).

7 رواه البخاري برقم (1930) (ج 7 / ص 235).

8 فتح الباري لابن حجر (ج 6 / ص 382).

9 رواه مسلم برقم (4384) (ج 12 / ص 87).

10 فتح الباري لابن حجر (ج 6 / ص 382). 

11 رواه البخاري برقم (1908) (ج 7 / ص 199).

12 رواه البخاري برقم (1919) (ج 7 / ص 217).

13 رواه البخاري برقم (3370) (ج 11 / ص 473).

14 رواه البخاري برقم (1929) (ج 7 / ص 234).

15 إحياء علوم الدين لـ(الغـزالي) (ج 1 / ص 411).

16 المصدر السابق (ج1/ ص 410 ).

17 الآداب الشرعية لابن مفلح (ج 3 / ص 430).

18 صحيح البخاري (4157) (ج 13 / ص 465). 

19 رواه البخاري برقم (1381) (ج 5 / ص 325) ومسلم برقم (1724) (ج 5 / ص 246)واللفظ البخاري. 

20 رواه البخاري برقم(1377) (ج 5 / ص 319) ومسلم برقم (1727) (ج 5 / ص 249) واللفظ للبخاري, , وأما لفظ مسلم: لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به، ويستغني به من الناس؛ خير له من أن يسأل رجلاً أعطاه أو منعه ذلك؛ فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول

21 رواه البخاري برقم (1930) (ج 7 / ص 235).

22 رواه مسلم برقم (1674) (ج 5 / ص 177).

23 رواه البخاري برقم (5854) (ج 19 / ص 401) ومسلم برقم (936) (ج 3 / ص 259).

24 رواه البخاري برقم (4024) (ج 13 / ص 277) ومسلم برقم (3310) (ج 9 / ص 216).

25 رواه البخاري برقم (5955) (ج 20 / ص 64).

26 تفسير السعدي (ج 1 / ص 863).

27 مجلة البيان العدد 172منقولاً من صفوة الآثار (3/ 377).

28 رواه البخاري (ج 7 / ص 216) وفتح الباري لابن حجر (ج 6/ ص 363).

29 رواه الحاكم في المستدرك برقم (2095) (ج 5 / ص 234) وصححه الألباني برقم(2085) في صحيح الجامع.

30 رواه أحمد برقم (20608) (ج 44 / ص 75) وصححه الألباني برقم (404) في السلسلة الصحيحة المختصرة.

31 رواه ابن ماجه برقم (253) (ج 1 / ص 299) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (263). 

 32 من كتاب سنن الترمذي رقم (449) (ج 2 / ص 308) وقال الألباني في تحقيق سنن الترمذي برقم (447) حسن الإسناد.

33 من تعليقه على سنن الترمذي (2/ 357). ذكره سليمان بن محمد الهذال في مقال له مجلة البيان العدد 172.

34 رواه البخاري برقم (1937) (ج 7 / ص 246) ومسلم برقم (2825 ) (ج 8 / ص 88).

35 رواه مسلم برقم (70 ) (ج 1 / ص 167).

36 الدرس مستفاد من مجلة البيان العدد172 ص28 ذو الحجة 1422هـ مقال لسليمان بن محمد الهذال.