كيفية الأذان ومعاني كلماته
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على البشير النذير،وعلى آله وأصحابه الغر الميامين. أما بعد:
فقد اتفق الفقهاء على الصيغة الأصلية للأذان المعروف الوارد بكيفية متواترة من غير زيادة ولا نقصان,وهو مَثْنى مَثْنى،كَمَا اتفقوا على التَّثويب,أي الزيادة في أذان الفجر بعد الفلاح وهي:” الصلاة خير من النوم” مرتين،عملاً بما ثبت في السنة عن بلال1، ولقولهﷺ لأبي محذورة- :”… فإذا كان أذان الفجر، فقل: الصلاة خير من النوم مرتين“2.
واختلفوا في الترجيع؛وهو أن يأتي بالشهادتين سراً قبل أن يأتي بهما جهراً،فأثبته المالكيةُ والشَّافعيةُ،وأنكره الحنفيةُ والحنابلةُ،لكن قال الحنابلةُ: لو أتى بالتَّرجيع لم يُكره.
قال الحنفية والحنابلة على المختار3: الأذان خمس عشرة كلمة، لا ترجيع فيه، كما جاء في خبر عبد الله بن زيد4، وهي :” الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،حي على الصلاة، حي على الصلاة،حي على الفلاح،حي على الفلاح،الله أكبر،الله أكبر،لا إله إلا الله”5.
واتفقوا على أن الأذان مثنى,ما عدا الجملة الأخيرة منه، وهي قول“لا إله إلا الله“ فهي مفردة. ودليلهم حديث أنس بن مالك قال:” أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة67
معاني كلمات الأذان
قال الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى- وغيره: اعلم أن الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية،وهي تتضمّن وجود الله-تعالى- ووجوبه، وكماله، ثم ثنَّى بالتوحيد ونفي الشريك،ثم ثلّث برسالة رسوله ﷺ ،ثم ناداهم لما أراد من طاعته المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة، لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول،ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم,وفيه الإشارة إلى المعاد،ثم أعاد ما أعاد توكيداً8.
فقوله: “الله أكبر“ أي من كلِّ شيء،أو أكبر من أن يُنسَبَ إليه مالا يليق بجلالِهِ،أو هو بمعنى كبير.
وقوله: “أشهد“ أي أعلم.وقوله:
“حي على الصلاة“ أي أقبلوا إليها،أو أسرعوا. والفلاح: الفوز والبقاء؛لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله،فيبقى فيها ويُخلَّد. والدعوة إلى الفلاح معناها: هلموا إلى سبب ذلك. وختم بـ“لا إله إلا الله“ ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى، كما ابتدأ به9.
فالأذان تلخيصٌ لدعوة الإسلام ؛ لأنه متضمن للشهادتين ، والإسلام كله قام على أساسين عظيمين: أن يُعبد الله وحده،وتلك شهادة أن ” لا إله إلا الله“، وأن يُعبد بما جاء به رسولهﷺ وتلك شهادة أن ” محمداً رسول الله“ ، فالإسلامُ بناءٌ يقوم على أركانٍ خمسةٍ,أولها الشهادتان”.
وكما في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، ففيه: حي على الصلاة ، حي على الفلاح ،والصلاة من أولها إلى آخرها تصديق عملي بالشهادتين ؛ففيها يقول المسلم في الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين},وتلك شهادة “أن لا إله إلا الله” ، وفيها يقول :{اهدنا الصراط المستقيم} ،
وتلك شهادة “أن محمداً رسول الله”. أشهد أن محمداً رسول الله حقّاً ، فهو من جهةليس إلها، وليست فيه أي صفة من صفات الألوهية، ومن جهة ثانية: ليس كذاباً, ولا ساحِراً, ولا كاهناً, ولا مجنوناً، فالذي يشترك فيه مع الناس هو البشرية،والذي يتميز به عنهم هو الوحي والنبوة،كما قال سبحانه: {قُلْ اإنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ } (فصلت:6) .وقد قامت على صدق نبوته دلائل كثيرة: فمنها صفاته،ومنها معجزاته،ومنها نبوءاته،ومنها البشارات به في الكتب السابقة،ومنها ثمرات دعوته في الأرض ، إلا أن أعظم آية تشهد له بالنبوة هي القرآن الكريم،قال الله تعالى : {تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العَالَمِينَ}الحاقة : 43 .
حي على الصلاة ، حي على الفلاح :
هاتان الجملتان تعقبان الشهادتين في الأذان،وذكر الصلاة عقب الشهادتين يُوافِقُ الترتيبَ الذي رتبت به أركان الإسلام,وحيثُ إنَّ الإنسان مجبولٌ على تقديم العاجلة على الآجلة،وتفضيل النقد على النسيئة،وبما أن الدنيا عَرَض حاضر،والآخرة وعد صادق،فالدُّنيا يراها والآخرة يسمع عنها،فالذي يحدثُ–غالباً-هُو انشغالُ الإنسان بما يَرَى عمَّا يسمعُ،والإقبال على العرض الحاضر,والغفلة عن الوعد الصادق،فيأتي في الأذان “حي على الصلاة، حي على الفلاح” ؛ لينادي على الناس في أسواقهم يبيعون ويشترون،أو في أعمالهم يصنعون ويعملون، أو في بيوتهم يأكلون ويشربون،أن يؤثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، كما أمرهم الله.فنداء المؤذن: “حي على الصلاة، حي على الفلاح“ عند كل صلاة إعلان عن وسطية الإسلام,وجمعه بين الدين والدنيا،فالمسلم في عبادة قبل الحضور إلى المسجد،وهو في عبادة عندما يحضر بعد سماع الأذان،وهو في عبادة عندما ينصرف بعد الصلاة إلى أشغاله وأعماله.
الله أكبر الله أكبر :
هذا النداء الذي افتتح به الأذان واختتم به، فيه تكبير الله عز وجل، فهو سبحانه{عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} الرعد : 9 وحيث إن الصلاة دعوة منه سبحانه ينقلها المؤذن عبر الأذان؛ ناسب افتتاحها بالتكبير ليعلم الناس أن الله تعالى أكبر من كل شيء يَصدّهم عن دعوته، أو يشغلهم عن إجابة ندائه {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ}10 الجمعة:1
1 – رواه الطبراني وغيره.نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته (1/543).
2 – رواه أحمد أبي داود. وصححه الألباني في تمام المنة رقم(88).
3 – اللباب شرح الكتاب(1/62). وما بعدها، وفتح القدير(1/167). نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته(1/543).
4 – وهو حديث أذان المالك النازل من السماء، رواه أبو داود في سننه.
5 – راجع: الفقه الإسلامي وأدلته (1/543-544).
6 – البخاري- الفتح- (605). كتاب الأذان باب الأذن مثنى مثنى. وقوله (الإ الإقامة):أي قوله قد قامت الصلاة.
7 – أحكام الأذان والإقامة ص(65).
8 – المفهم (2/14)، نقلاً من حاشية أحكام الأذان والإقامة ص(64).
9 – كشاف القناع(1/273). نقلاً من حاشية الفقه الإسلامي وأدلته(1/544).
10 نقلاً عن مقال في عدد البيان 95 ص 32 وما بعدها بتصرف.