الرياء في القراءة

الريــاء في القــراءة

   

الريــاء في القــراءة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فإن الله – تعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وصواباً على سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، كما قال – تعالى-: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) سورة الكهف، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت! ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال هو: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو: جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار).1

فهذا حديث عظيم جليل كبير يبين خطورة الرياء وأن الإنسان المسلم معرض للخطر إن لم يخلص بعمله لله – تعالى-، وخاصة هؤلاء الثلاثة الأصناف، ومنهم قارئ القرآن أسأل الله أن يرحمنا وسائر إخواننا المسلمين.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (قال الله – تبارك وتعالى -: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)2، وثبت أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به).3

قال ابن حجر: "الرِّياء مشتق من الرؤية، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها، فيحمدوا صاحبها، والسمعة – بضم المهملة وسكون الميم – مشتقة من سمع، والمراد بها نحو ما في الرياء لكنها تتعلق بحاسة السمع، والرياء بحاسة البصر، وقال الغزالي: المعنى طلب المنزلة في قلوب الناس بأن يريهم الخصال المحمودة، والمرائي هو العامل، وقال ابن عبد السلام: الرياء أن يعمل لغير الله، والسمعة أن يخفي عمله لله ثم يحدث به الناس".4

وقال النووي في معنى الحديث السابق: "قال العلماء: معناه من رايا بعمله، وسمعه الناس ليكرموه ويعظموه ويعتقدوا خيره سمع الله به يوم القيامة الناس وفضحه، وقيل معناه: من سمع بعيوبه وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل أسمعه المكروه، وقيل أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه ليكون حسرة عليه، وقيل معناه من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس، وكان ذلك حظه منه".5

فعلى المسلم وبخاصة طالب العلم الشرعي، وقارئ القرآن، وأئمة المساجد أن يجعلوا عملهم وقراءتهم خالصة لوجه الله – تعالى-.

اللهم إنا ضعفاء فقونا، وضُلَّال فاهدنا، وعالة فأغننا، وضعفاء فقونا، اللهم إنا نعوذ بك من الرياء والنفاق، وسائر أمراض القلوب يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم يا رب العالمين.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 رواه مسلم وأحمد وغيرهما.

2 رواه مسلم وأحمد وابن ماجه.

3 رواه البخاري من حديث جندب، ومسلم من حديث ابن عباس، واللفظ له.

4 فتح الباري (11/336).

5 شرح النووي على مسلم – (ج 9 / ص 371)