الحديقة والنافورة في المسجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهديه، واقتفى أثره القويم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا نرى في هذا العصر كثيراً من المساجد التي شيدت قد جعل من مرافقها مكان خاص لغرس الأشجار، وآخر لبناء النافورات؛ مما يجعل للمسجد منظراً زاهياً تنتعش له الأنفاس، ولكن ما حكم غرس الأشجار وبناء النافورات في المساجد؟ تكلم العلماء – رحمهم الله تعالى – عن مسألة الغرس بالمسجد والحدائق التي تشتمل على أشجار كبيرة وصغيرة، وعلى ما يزرع زرعاً، وأما النافورات فإنها تستلزم الحفر بالمسجد، ولهذا سيكون الحديث هنا عن هاتين النقطتين:
فنقول: أما الغرس بالمسجد فاختلف فيه العلماء على قولين: القول الأول: لا يجوز غرس الشجر بالمسجد، وهذا ما ذهب إليه بعض الحنفية، والشافعية، وهو مذهب أحمد.
القول الثاني: يجوز غرس الشجر بالمسجد إذا كان فيه نفع للمسجد, قال به بعض الأحناف.
الأدلة:
استدل الأولون بأن في الغرس بالمسجد شغلاً عما أعد للصلاة والعبادة به، ويتضرر المسجد بسقوط ورق الشجر فيه وثمرها، وتسقط عليها الطيور، فيتقذر المسجد بما يخرج منها، أو ربما اجتمع الصبيان حولها فرموها بالحجارة لاصطيادها، فيؤذون من في المسجد، ولربما حصل منهم فساد. واستدل الذين قالوا بالجواز بأنه لم يرد دليل من الشرع ينص على تحريم غرس الشجر بالمسجد، والأصل الإباحة، وبناء المسجد ليس أمراً توقيفياً، وفي غرس الشجر في المسجد منافع كتثبيت السواري والاستظلال.
المناقشة:
من المعلوم أن الأشجار تختلف من حيث انتفاع المسجد بها، فبعضها ينفعه، وبعضها لا ينفعه، وبعضها يضره، والذي ينفعه قد يكون ضرره أكثر من نفعه، وقد يكون نفعه ممكناً إذا غرس حول المسجد، ولا يضطر المسجد لمنفعة الشجر؛ لأن غيرها من أعمدة الخشب، أو الحديد، أو الحجر أو نحوها، تقوم مقامه؛ ولأن وضع الشجر بالمسجد ربما يكون فيه تشبه بالمشركين فيحرم.
وأما أن الأصل حله فإن هذا ليس موضعه؛ لأن المسجد بني للعبادة وليس مزرعة، ثم الغرس فيه مخالف لرفع المساجد المأمور به، لقوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ (سورة النور:36)، والغرس بالمسجد مخالف للعرف وما جرت عليه عادة المسلمين في القرون الأولى.
وبهذا يظهر أن القول بتحريم الغرس بالمسجد هو الراجح، وعليه فإن وضع الحدائق داخل المسجد حرام، وأما خارجه في حرمه فإن لم تكن لمشابهة المشركين، ولم يتضرر المسجد بها؛ فلا حرج في ذلك – إن شاء الله – ولربما كان في وضعها حول المسجد نفع ظاهر.
وأما وضع النافورات بالمسجد فقد يحتاج إلى حفر، وحفر البئر مكروه عند جماعة من العلماء؛ لأنها بناء في مال غيره وهو المسجد، وأجازها بعض الحنابلة لمصلحة المسجد، ومن يأتيه، وعلى حافرها ضمان ما تلف بها.
والمساجد لا تحتاج للنافورات في داخلها، ولا أن تكون مداخلها ذات مساحات ضخمة توضع في وسطها نافورة للتجميل، فإن ذلك استغلال لأرض الوقف فيما لا يصلح له، وإسراف في إنفاق المال بغير وجه حق، اللهم إلا أن يكون الواقف هو الذي صنع ذلك، فإن كان وضع النافورة من أجل أن يتوضأ الناس منها، أو لتسقى منها حديقة المسجد؛ فله ذلك إذا كانت خارج المسجد ولا تضره، وإن كان وضعها للزينة فهي داخلة في مسألة الزخرفة التي لا يصلح الانشغال بها عند بناء المساجد1.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى, وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 من كتاب أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية لـ (إبراهيم بن صالح الخضيري).